محمد آل الشيخ
يدور في مواقع التواصل الاجتماعي عبارة توحي باستغلال بعض المتأسلمين، خاصة أتباع المذهب الشيعي منهم، للتداوي من فيروس كورونا من خلال الخرافة؛ حتى أن «مقتدى الصدر» ابن المرجع الشيعي محمد الصدر قيل إنه أرسل جبته لأحد المصابين في العراق بفيروس كورونا) ليتبرك بها، وأنه شُفي من الفيروس، والأدهى والأمر أن هناك من يصدقونه من أولئك الذين يتبركون به وبالمقدسات ويصدقون أنها تمنحهم حصانة ربانية من الأمراض والأوبئة. الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو خير البشر، تداوى من الأمراض بما توصل إليها عصره من أدوية وأساليب علاجية، وأوصى بالتداوي بها، وبذل الأسباب للتخلص من الأمراض ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً، وجاء في الحديث (ما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه دواء، جهله من جهله وعلمه من علمه). وفي تقديري أن التداوي ليس مندوباً فحسب، وإنما (واجب) كما يذهب إلى ذلك بعض علماء الأحناف.
لكننا يجب أن نحذر كل الحذر من الأدوية الخرافية، التي تنتشر عند بعض المشعوذين، أو أشباه المشعوذين، ممن يستغلون السذج، ويشجعونهم على التداوي بما يسمونه الطب الشعبي، أو الطب البديل، الذي لم تثبت البحوث العلمية أنه يُحقق الشفاء. نعم الدعاء مخ العبادة، ومطلوب من المسلم أن يدعو الله -جل وعلا- بأن يشفيه من الأمراض، وهو من الناحية النفسية يُهيئ نفسية المؤمن المريض للتجاوب مع الأدوية، لكنه لا يغني عن الطب العلمي المجرب.
وفي هذه الظروف الذي يجتاح فيها العالم وباء كورونا، نحن في أمس الحاجة لتوعية الناس بالأساليب الوقائية الصحيحة والمجربة، لا سيما وأن الوقاية مطلب ديني لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنه (فر من المجذوم فرارك من الأسد) والجذام مرض معدٍ فتاك. كما أن الاستغناء عن العلاج (بالتوكل لا يكفي إذا لم يواكب التوكل بذل الأسباب، فقد ورد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي الذي ترك راحلته دون أن يعقلها متذرعاً بالتوكل: (اعقلها وتوكل).
كما أن العزل وحصار الأوبئة مطلوب من وجهة النظر الدينية؛ فقد نهى الإسلام أن يخرج الإنسان من بيئة موبوءة إلى بيئة سليمة، ولا يدخل في بيئة موبوءة وهو في بيئة سليمة؛ كما روي عن عمر بن الخطاب أنه عاد إلى المدينة راجعاً من الشام عندما بلغه أنها موبوءة بالطاعون، وعندما اعترض عليه أبوعبيدة قائلاً (أتفر من قدر الله؟) أجابه قائلاً: (أفر من قدر الله إلى قدر الله)، والأحاديث في هذه المجالات متواترة وتقر بها جميع المذاهب.
كما أن هناك من الدجالين والمشعوذين من بستغل هلع الناس من الجوائح والأوبئة لتلمس الإثراء منها بالترويج للخرافات والخزعبلات، ودائماً وأبداً فإن هناك من العوام، أو من الجهلة، من يصدق ما يقولون، خاصة إذا كانت هيئته وزيه الذي يتزيا به توحي بأنه من طلبة العلم أو الوعاظ، وغالباً ما ينسب هؤلا الدجالين هذه الترهات التي ما أنزل الله بها من سلطان إلى أنها من (الطب النبوي)، الذي هو بلغة أدق (طب العصر النبوي)، حيث لم يكن في ذلك العصر من المخترعات والمبتكرات والأدوية والأجهزة الطبية والمختبرية ما يتوفر للإنسان اليوم؛ أما في عصرنا فليس إلا الطب العلمي، فليس ثمة لا طب شعبي ولا طب بديل، بل هو الدجل والكذب والتكسب والتدليس.
إلى اللقاء