فضل بن سعد البوعينين
برغم الفاقة؛ كانت ثقافة الادخار راسخة في المجتمع قبل طفرة النفط والتحول الاستهلاكي. وفي اقتصاديات الأدب الشعبي، نجد أن نصائح الادخار كانت بارزة، ومنها ما قاله عبدالله بن إبراهيم بن مقرن -رحمه الله-؛
ثلث المكدة حطها في بعارين
وثلث تخرج به واضبط حسابه
والثلث الآخر حط دونه كوالين
يجري على المخلوق شين ما هقابه
رؤية اقتصادية من أدبيات نجد، خلقتها التجارب لا التَعَلُّم، وتعد من أركان النظريات الاقتصادية المهمة في مجتمع لم يعرف الاقتصاد بمفهومه الحديث، إلا أنه أحاط بأساسياته. وبما أن الجمال وسيلة النقل التجاري، فكان الاستثمار فيها من أهم الاستثمارات ما حمل الشاعر أن يوصي بوضع ثلث الدخل فيها، والثلث الآخر للإنفاق وفق سياسة ضبط مقننة، والثلث الأخير للادخار تحوطًا لمتغيرات الظروف المفاجئة.
أزعم أن بدء المصارف في تقديم التمويل الاستهلاكي للأفراد، وبحجم مبالغ فيه، زاد من نهم الاستهلاك وقضى على ما تبقى من ثقافة الادخار، خاصة بعد التوسع في إصدار بطاقات الائتمان والقروض الشخصية، التي أقحمت الأفراد في دائرة الإدمان الاستهلاكي وإدمان القروض. لم يكن مستغربًا انخفاض معدل ادخار الأسر السعودية إلى 2.4 في المائة مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 10 في المائة . تقلص شريحة الادخار لمصلحة الاستهلاك أضرت بالأفراد والأسر السعودية، وألغى التخطيط المالي لدى الأغلبية، وبات الاعتماد على التمويل المصرفي الخيار الوحيد لتلبية الحاجات الأساسية، أو مواجهة المتغيرات الطارئة، وهو أمر لا يمكن تقبله أو التعايش معه دون تصحيح.
لذا اهتمت رؤية المملكة 2030 بتعزيز الادخار والاستثمار، وأصدر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية موافقته على برنامج تطوير القطاع المالي؛ ضمن برامج تنفيذية أخرى؛ الذي يهدف إلى «تطوير قطاع مالي متنوع وفاعل، لدعم تنمية الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل، وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار». ما يعني تركيز أكبر على الادخار، وفتح قنوات استثمارية متوافقة مع ملاءة الأفراد. تعزيز ثقافة الادخار ليس بالأمر الهين في مجتمع استهلاكي من الدرجة الأولى، إلا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأهم خطوات تعزيز الادخار وضع إستراتيجية وطنية وخطط وبرامج محققه للأهداف، وهذا ما تضمنه برنامج تطوير القطاع المالي. فتح قنوات ادخارية من أدوات تحفيز الادخار، وهو أمر لم يتنبه له القطاع المصرفي برغم أهميته. ولعلي أشير إلى خفض قيمة الصكوك من مليون إلى ألف ريال، وخفض رسوم الشراء، وهي من الأمور العملية المهمة الموجهة لمعالجة معوقات استثمار الأفراد في سوق الصكوك والسندات، ونشر ثقافة الادخار الآمن من خلال اقتناء الصكوك الحكومية.
هناك بعض البرامج الادخارية الاستثمارية الجيدة لدى بعض المصارف السعودية إلا أنها تقلصت بشكل كبير مؤخرًا، ولعلها تعود من جديد تحت مظلة «تطوير القطاع المالي». لا يمكن تعزيز ثقافة الادخار ورفع معدله إلى 10 في المائة بمعزل عن توفير قنوات ادخارية استثمارية محفزة. خلق منتجات ادخارية متنوعة ومنها ادخار التعليم والتقاعد والسكن من البرامج المهمة المعززة للادخار. كما أن غرس ثقافة الادخار يجب أن يبدأ بجيل النشء، وأن تتضمن المناهج التعليمية والبرامج المدرسية ما يعزز هذا الجانب. بنك الادخار من القنوات المعززة للادخار والاستثمار، وهي تجربة ناجحة في بعض الدول الغربية، إلا أن الاستعاضة عنه ببرامج ومنتجات الادخار والاستثمار في القطاع المالي قد يؤسس لمرحلة انتقالية عاجلة تحقق الأهداف. عودًا على بدء؛ فثقافة التخطيط المالي والادخار يجب أن تغرس في المجتمع؛ وبعيدًا عن حجم الدخل؛ إلا أن توفير ما لا يقل عن 15 في المائة من الدخل يجب أن تكون سياسة يلتزم بها الأفراد والأسر.