عمر إبراهيم الرشيد
حديث قديم جديد ذلك المتعلق بالسلوك وأخلاقيات الحياة اليومية، والاختلافات بيننا وبين الغرب وبعض الشرق. يحدثني أحد الأصدقاء حين رافق ابنته الصغيرة للعلاج في أمريكا ومكث هناك ثلاثة أشهر، كيف أن سلوكيات الكثير ممن تعامل معهم إن كان في المستشفى أو خارجها في الأماكن العامة أو المرافق المختلفة كان تعاملاً يتسم باللطف في الأغلب، والابتسامة كلغة يومية وعدم التدخل في شؤون الغير، وغير ذلك من سلوكيات مدنية تعزز ما يسمى بالذوق العام والسلم الاجتماعي. ثم أن صديقي وعلى أثر تلك الإقامة وانطباعه عن الحياة هناك، قد عزم على إكمال دراسته هناك بالرغم من أنه موظف في القطاع الطبي إلا أن لديه الطموح لإكمال تعليمه ومن ثم الترقي في حياته العملية. قلت له تعليقًا على رأيه وانطباعه، وهنا أؤيده فيما ذكره، قلت له إن الأمريكيين لديهم مشكلاتهم الاجتماعية بالطبع، من تفكك أسري وجرائم عنف على اختلافها وغير ذلك، وهذا ليس تعميمًا بالطبع فالتعميم لغة الجهال، وبقدر ما لديهم من مجرمين وقتلة وعنصريين وغيرهم، فلديهم عقلاء ومثقفون يرفضون تلك الأخلاق، بل يناصرون المظلومين ولو بالكلمة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. إنما يجدر التذكير بأن السلوك اليومي من التزام النظام ومراعاة القوانين الخاصة بالذوق العام والمرور وغير ذلك من أخلاقيات الحياة اليومية، هي لديهم أفضل من ناحية الممارسة والتطبيق مما هي لدينا، ليس لسوء فينا أو أنهم أفضل منا، بل لأن تلك السلوكيات لديهم إنما عززتها القوانين والعقوبات الصارمة على الجميع ومنذ عشرات السنين، وهذا ما لم يحدث في الشرق عمومًا في القرنين الماضيين لأسباب سياسية واجتماعية ليس هنا مقام شرحها. على أن ما صدر لدينا في المملكة من نظام السلوك والذوق العام مؤخرًا سيسهم مع التوعية وبث الرسائل على اختلاف وسائلها في تعزيز السلوكيات اليومية التي هي أصل من أصول الدين الإسلامي الحنيف، ونحن أولى بها من جميع الأمم لأن القرآن بين أيدينا نتلوه خمس مرات في اليوم على الأقل، ولكن (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، والمعنى أنه ليس كل المسلمين ورعين يمتثلون لكل تعاليم الدين الحنيف ومنها الأخلاق العامة والسلوك اليومي فالنفوس والعقول ليست سواء، ولذلك جعل الله الحكومات والسلطات لتنظيم حياة البشر وفق نواميسه عز وجل ومن حاد عنها من حاكم أو محكوم فلا ملامة إلا على عقله. وهناك تساؤل ليس بالجديد على أفهامكموهو كيف يكون أحدنا ملتزمًا بالعبادات من صلاة وصيام ويكون سيء الخلق أو سيء التعامل تحديدًا، إما مع أسرته أو خادمه أو سائقه أو حتى في قيادته للسيارة؟ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)، والمتأمل في الجملة الأخيرة يجد الجواب، لأنه لو كانت التقوى والطاعة كافيتين لما قال (وخالق الناس بخلق حسن). وسير الأنبياء وخاتمهم عليهم جميعًا الصلاة والسلام معين متدفق لا ينضب للأخلاق وعلومها وفلسفاتها، والتنظيم والقوانين إنما هي أدوات ضبط مكملة لا بد منها، وبالمناسبة فإن كثيرًا من القوانين في أمريكا والغرب عمومًا من أصل توراتي أو انجيلي، بل إن نابليون بونابرت قد استقى بعض القوانين الفرنسية التي وضعها من الإسلام والمذهب المالكي تحديدًا، والرئيس الأمريكي توماس جيفرسون قد عكف على قراءة القرآن الكريم قبل الاشتراك في كتابة الدستور الأمريكي مع مؤسسي أمريكا. وليس ببعيد حادث اغتيال رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه الغامض منتصف الثمانينيات الميلادية وهو الذي أشاد بأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة بالرغم من أنه غير مسلم، بل كان يتسم بالتواضع وحسن الخلق مع عامة الشعب. يجدر دومًا تذكيرنا لأنفسنا بأننا ولله الحمد أولى بالأخلاق من أي أمة لأننا مسلمون بل إننا كعرب كانت لدينا مكارم وصفات أتى الإسلام فأتمها، ومهما صدر ويصدر من سلوكيات وسلبيات من البعض ننتقدها، فإن لدينا ولله الحمد حب الخير والأخلاق الحميدة بالفطرة، كما أن هذه الفطرة الإنسانية موجودة لدى شعوب وثقافات أخرى، والوعي يزداد يومًا عن يوم بأن الأخلاق الإسلامية والعربية هي الأصل ومنال الإعجاب حتى من المجتمعات العلمانية والغربية، إلى اللقاء.