سمر المقرن
قد نتغافل عن أهمية الصحة والوقت بدعوى أنهما شيء عادي، فالعادي أن تتحرَّك وتأكل وتشرب بنفسك وتصعد الدرج وتركب سيارتك، بل وقد تهدر وقتك وتقتله مع سبق الإصرار، بالجلوس على المقاهي والتجول في المطاعم مثلاً بلا مبرر، كل ذلك رغم أن «العادي» نعمة قد يفتقدها ملايين حول العالم من الذين ينحصر حلم حياتهم في التحرّك بغرفة نومهم أو يأكلون الطعام بأنفسهم أو حتى الذهاب إلى الحمام بمفردهم دون مساعدة أحد. وهناك من العلماء من يحتاجون لثانية إضافية لإنهاء اختراع ما. وذلك يذكِّرني بقصة فيلم سينمائي أمريكي عالمي قصير بعنوان roof أي «السقف» مدته لا تتجاوز عشر دقائق، حقق نجاحاً ساحقاً وشاهده الملايين حول العالم، حيث يبدأ الفيلم وتمر ثمان دقائق منه والكاميرا مثبتة على سقف الحجرة، ليتذمّر الحاضرون ويعزموا على مغادرة صالة العرض بسبب إضاعة وقتهم في مشاهدة سقف حجرة، لولا أن حانت دقيقة النهاية من الفيلم لتتحرَّك الكاميرا على طفل «مقعد» كلياً في فراشة مثبتاً نظره إلى نفس السقف بسبب إصابته بورم في النخاع الشوكي أقعده عن الحركة تماماً، وينتهي الفيلم بتعليق: لقد أصبتم بالملل من مشاهدة السقف لمدة 8 دقائق بينما يقضي هذا الطفل عمره بأكمله في مشاهدته، فأدركوا قيمة كل ثانية من حياتكم.
هذا المشهد جعلني أستشعر تفاصيل صغيرة في حياتي قد لا أكون شعرت بها من قبل، فتقدير قيمة الصحة أمر عظيم، فما بين الميلاد والموت نعيش وقتاً قصيراً، علينا أن نستثمره فيما ينفع أنفسنا وغيرنا والبشرية جمعاء، وأن ننظّمه جيداً في بر الوالدين والعمل وحتى الراحة الإيجابية التي تجدّد طاقتنا وإلا تخطفنا الطير وهوت بنا الريح في مكان سحيق، ونسقط ضحايا لعدم إدراك قيمته الأغلى من الذهب والألماس، فدقيقة واحدة في الحروب قد تُضيِّع أمماً، فالوقت يمتلكنا ونحن لا نملكه لأنه مخلوق حي يمر بسرعة البرق ولا يعود أبداً.
أقولها، مع بالغ الأسف فإن عدم إدراك قيمة الوقت في بعض الدول العربية هو من أهم أسباب تفوق بعض الدول الغربية علينا اقتصادياً وعلمياً، ولن نلحق بركبها إلا إذا أدركنا قيمته. وتأتي الصحة أيضاً لتظل تاجاً على رؤوس الأصحاء فتجعلك تعيش بلا ألم أو احتياج للآخرين وتهبك الحياة وتمدك بالطاقة على الإنجاز في العمل، والحفاظ عليها أدواته بسيطة لكنها تحتاج إلى الوعي أولاً وحب الإنسان لذاته، فنمط الحياة والأكل الصحي بلا إسراف، وممارسة الرياضة باستمرار والحرص على النظافة الشخصية، وعمل التحاليل الطبية الدورية للاطمئنان على صحتنا باستمرار، حينها سوف ندرك جيداً نعمة «العادي».