مها محمد الشريف
59 كاتباً يتحدثون عن روتين الكتابة في كتاب «يوم من حياة كاتب»، وجميعهم حاصل على جوائز ومميزات تجعل من المؤلف ذكر تجاربهم مع الكتابة والارتباط بين الكتابة الإبداعية والطقوس المصاحبة لها، وليس الكاتب مضطراً لانتظار تحقق ظروف مثالية لكي يكتب، بل يكفيه أن يصطنع لنفسه هذه الظروف.
كما قال الناشر عن كتابه بأنه يتضمن 59 مقالة لكتَّاب عالميين اختارتهم صحيفة الغارديان البريطانية ضمن سلسلتها عن روتين الكتابة تقدمها للقارئ العربي وللكاتب العربي أيضاً آملين أن تسهم إضاءة تلك التجارب في فتح آفاق أرحب للتجربة الإبداعية.
ولأسباب كثيرة مستمدة من طبيعة الأشياء، يجب أن يتميّز كل كاتب عن غيره حسب ظروف الزمان والمكان وحسب كل مجتمع أيضاً من مجتمعات أخرى، قد لا تكون قدرتها بارزة إلا أنها قدرة حقيقية، فيقول هوارد جيكوبسون الكاتب الفائز بجائزة البوكر لعام2010 : «أنا مثل الرسام أضع مسحة من اللون ثم أخرج مسرعاً» يتحدث هنا الكاتب في البداية عن لوم الذات والهلع، ثم انغماسه المفاجئ في الكتابة واللحاق بركب جوزيف كونراد، وجورج أليوت، كما تحدثت عنه صفحات الكتاب.
يبدو أن العاطفة الإنسانية تشمل جميع الناس ولكن تتفاوت في المقدار والقيمة من حيث دائرة الاهتمام والتعاطف مع قضايا الساعة، ففي حياة كل كاتب صفحة فارغة تنتظر الكتابة ليحمل على عاتقه مسؤولية فراغها ويدرك ضرورة الإنتاج والإبداع، فأحدهما كان فيلسوفاً أكثر، والآخر مواطناً أكثر، وآخر ملماً بالأحداث الاقتصادية أكثر أو السياسة أو الاجتماعية أو الثقافية والعلمية، وبعضاً يفضِّل التعوّد على رؤية العالم بمنظار الفائدة المشتركة وبناءً عليها يكتب ما يريده الناس.
من السهل أن تكتب وتتعايش مع الأحداث وتتفانى من أجل سرد الحقائق، ولكن من الصعب أن تغادر الحالة إلى أخرى وأنت مسكون بهموم الآخرين، وكأن الحكم يقول لا توجد طريقة صائبة لكل هؤلاء، لا شيء كان أقدس من أن تكتب لأجل الوطن وتشرح بصورة أفضل ما تقدّمه الدولة للمواطن بدافع الواجب.
إن عامة الوسائل التي تقدر بها على التأثير في حواس الغير تنحصر فيما تقدّمه للناس، وكيفية الوصول إلى هناك، حيث تقيم أذهانهم وعقولهم، فكل شيء حولنا يعج بهذه الأساليب من البرهنة التي تخاطب الجميع دون استثناء، فنحن في عصر الكلام المعبر عن الأفكار وأكثر إيحاء في أقل وقت.
إن الإشارة لهذا الكتاب بمثابة أحد تلك الأساليب التي يقرأها الناس والذي جمع نخبة من الكتّاب ليسجلوا تجاربهم مع الكتابة والجوائز التي حصلوا عليها أو شهادات التقدير من جامعاتهم أو معاهدهم أو من الصحف التي كتبوا لها، لأن هذا هو الجانب الصعب من تلك الحسبة المقدّرة من المجتمع المحيط بك، على الرغم من أن الكتّاب اليوم يفتقدون لهذه العناية والتقدير من الصحف التي يكتبون لها مع عجز الدخل المادي، لكن لا بد من التسليم بأن الإعلان سنوياً عن متفوّق أو فائز بلقب صحفي إشارة إلى جهود لا تختلف كثيراً عن الأعوام الماضية أو هي أصوب تدرجاً نحو هدفها.
ذلك ما يجعلني اعتبر أن التركيز على الجوانب التي اختص بالكتابة أحياناً عنها له وقع مضاعف يكفي لأحدثكم عن الحرب والسلام وتداعيات الحالتين على العالم والدول والأمم، وفي معظم الأحيان تستغرق فيها عاطفتي وتكون بين الشعور بالسعادة والحزن في الوقت ذاته من تتابع الأحداث على الساحة الدولية وشقاء الناس من تبعات الحروب والأمراض وتلك دائماً تكون معركة تحفزني على الكتابة كل يوم.