د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
اجتمعت عندي حزم شتى من التفاؤل الذي أصبح وميضهُ يُشبه حاضرنا المحفز الجميل؛ فكتبتُ لأستبق شيئاً من آمال قادمة ولأصل إلى بوابات الطفولة وتعليمها كفئة ذات شأن مؤثر في صناعة المستقبل؛ فكان المستراد واسعاً أمامي فرأيتُ حتمية الحديث عن البساط الذي تسير عليه الطفولة في بلادنا؛ وعن مرتكزات نهوضها حتى ندرك شغف الذين ينادون بأن يكون أطفالنا في مستقبلهم قادة للفكر والرأي المعتدل وصُناعاً للإبداع ومنافسين للعالم؛ ومن خلال اطلاعي وجدتُ تواترا يكاد يبلغُ الإجماع عند من يهتمون بالطفولة في بلادنا بأن يحمل الحراك حول تعليم الطفولة وإعدادها للحياة جهازاً واحداً تلتقي فيه قطاراتها التي كانت وما زالت في الآفاق تلمع بجهود متوالية من خلال منصات الدعم الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني كوزارة التعليم؛ ومصادر الثقافة المرئية والمقروءة والمسموعة؛ واللجان الوطنية وجمعيات الحماية ومجلس شؤون الأسرة الذي منحته قيادتنا الرشيدة بذور الاستزراع في ذلك الجانب وما يخطط له حالياً في قطاعات عديدة، وما ينتظره مستراد الطفولة من نوافذ ضوء أخرى تضمنتها رؤية بلادنا العملاقة 2030، فلعلها تلتقي في هيئة عامة تستحدثها الدولة -رعاها الله - لتكون الإستراتيجية فريدة البناء والأهداف وفيرة البدايات؛ باسقة النتائج، وأن يكون ذلك في منصات التأسيس، وإعداد من يقود مراكب الطفولة في بلادنا من خلال مقومات ومعايير علمية ممنهجة تركز على جوانب الدعم النفسي والسلوكي أولاً؛ فهي القاعدة الكبرى التي يجب أن تُبنى عليها متممات تكوين الشخصية من المعارف الغزيرة والتربية الوفيرة؛ فعندما تتبعنا تلك الموارد رأينا أنه من الأجدى إيجاد محضن أكثر دفئا يتشقق عن ابتسامة ترمم واقع الطفولة وتشق سكون تلك الفئة (الطفولة) وسط منظومة العناية البشرية التي رفعت بلادنا راياتها؛ وأن تكون مؤسسات لتعليم ورعاية الأطفال كظلال مُنداة تتبرعم بجانب الماء لتتفتح أكمامها؛ وأن تتجسد صناعة القيم التي من شأنها أن تقيم حالات من الاتفاق السامي بين الواقع والمثال؛ ففي الفضاء الطفولي الواعد نستطيع أن نصنع قنوات التغيير الممنهج من معادلة الحب الأعمى إلى الود البصير؛ وغرس الجمال في الواقع الممكن، وإشعال قناديل الإيجابية، والقدرة على تناول واقع النكوص إلى الوراء ومغادرة ما هو هش في البنية،وضيّق في التناول البشري وصناعة المغامرات الجديدة في تسيير قطار الحياة أمام الطفولة المقلة بشغف فعندما نطرح سقفاً عالياً من الاهتمام بواقع الطفولة فإن ذلك يشعل كواشف النور حولها فما زال كثير من أطفالنا الذين يدخلون المدارس كعلامات الاستفهام؛ وربما خرجوا منها وهم لا يزالون نقاط وقف باهتة!! ذلك لأن إشكالية التلقّي في تلك المرحلة المهمة من العمر مازالت تحتاج وفيرا من عمل واستراتيجيات متينة، فأين منا دمج المعرفة بواقع التقنية الذي يحيط بيئات الأطفال أنفسهم!!؟ وأين منا تحقيق السيادة بتأصيل مناهج التعليم لفئات الطفولة من الداخل قبل الخارج!!؟ وأين منا المسرح التعليمي الزاخر بمحفزات النهوض وبمآثر الماضي لترتاده الطفولة في بلادنا لترى فيه مستقبلها الواعد!!، كما أن السرد الفني وإخراجه في صور مشوقة يمثل أدواراً معرفية وتربوية عالية إذا ما أحسن اختيار محتوياته فيختزل الكثير من الخبرات والمعارف ويقدمها للأطفال بشكل مشوق وجاذب وتكتسب حياتهم ونموهم الفكري أشكالاً حسية وإبداعية شتى مما يصنع من المعرفة زُمراً؛ ومن القيم حزما تتصدى لثقافة الصور الاستهلاكية التي غزتْ فضاءات الطفولة فنحن نحتاج حتماً إلى أرضية تربوية تحترم وعي الأطفال بالمواقف المدهشة الحية، والقيم النبيلة النامية، وتؤمن بتأثيرها عليهم إذا ما اصطفتْ كفاصل بين المواقف التي تحترم خصوصيتهم.
كما يلزمنا العناية بالفن كقاعدة من القواعد الأساسية لبناء المشروع التعليمي للطفولة ليهذب النفوس وينمي الذوق، ويحفز القيم الشافية؛ فحقول الغد ليست ممهدة كما يجب مقارنة بالدعم السخي الذي توليه قيادتنا الرشيدة لهذه الفئة!! فأين منا بناء علاقة حقيقية بين كل مؤسسات الطفولة وبيئات الأطفال داخل الأسرة على ألا يكون ذاك البناء تهميشاً لدور الأسرة والإملاء عليها بما تنشده مؤسسات الطفولة التعليمية والاجتماعية!! فالعلاقة في نظري مثاقفة وليست تثقيفا، وتواشج في الأدوار الاجتماعية والوطنية.. والطفولة اليوم بدايات حدائق الغرس فتحتاج إلى غرس وجداني نامٍ محفزٍ تمخر من خلاله بحور المعرفة ويرتفع خطاب الطفولة إلى مسارات أبهى وأحلى وأكثر إقناعاً، فنأمل أن نرى محضناً مستقلاً للطفولة يصطف مع قطاعات بلادنا النامية؛ وحتماً سيكون في العدوة القصوى من ممكنات نهوض بلادنا المشهودة.
يقول بدوي الجبل،،،،
وصن ضحكة الأطفال يا رب إنها
إذا غردتْ في ظامئ الرمل أعشبا