فهد بن جليد
في الأربعينيات والخمسينيات (الميلادية)، لم تكن أصوات النساء في أوروبا وأمريكا على ما هي عليه اليوم من (قوة ووضوح)، فالنبرة ارتفعت كثيراً بحسب دراسات وفرق علمية عديدة، لعلَّ آخرها فريق بحث (أسترالي) قارن بين تسجيلات إذاعية قديمة للنساء وأصوات إذاعية حديثه، فالأمر ظل مرتبطاً بتولي النساء أدواراً قيادية في الأسرة والمجتمع، بعيداً عن المؤثرات الخَلقية (حجم الرئة، الحنجرة، الحبال الصوتية)، والعوامل المجتمعية الأخرى، تبقى (السمات الشخصية) للرجل والمرأة، المتحكمة الأكبر (بنبرة وحدة وقوة) الصوت.
ربما تعلوا (نبرة) صوت المرأة أكثر وبشكل مقبول لأسباب وعوامل طبيعية سنكتشفها في السطور القادمة، لتُساهم في كسر قاعدة التمييز المجتمعية المُسلَم بها (بأنَّ صوت الرجل العالي والمُرتفع يكشف شخصية فحولية وذكورية، بعكس صوت المرأة المرتفع الذي يعني التمرد وفقدان الأنوثة)، لو تتبعنا التحول الذي طرأ على صوت النساء (النبرة والخطاب) في معظم المجتمعات الإنسانية، لوجدنا أنَّ مرده في الغالب هو ارتقاء المرأة للاضطلاع بأدوار مرموقة أكبر وأهم في محيطها وأسرتها، وهو ما يفسر محاولة بعض النساء اليوم تبني طبقة صوتية (أعمق) للتفخيم، بهدف إبراز السيطرة والهيمنة في بيئة العمل تحديداً.
بعيداً عن الأصوات النشاز التي تُحاول (ركوب الموجة) واستغلال صوت المرأة لتحقيق أهداف مشبوهة، يمكنك ملاحظة هذا التغير التدريجي في محيطك وكيف اختلفت (أصوات النساء) في العموم عنها في سنوات مضت؟ وقياس (درجة الاختلاف) التي طرأت، وهذا لا يعني بالضرورة (قوة الصوت وحدته)، بقدر ما يكفي أن الصوت أخذ مكانه الطبيعي والفطري في الظهور للعلن، وإبداء صاحبته لرأيها وطلب حقوقها، وفق الآداب المتعارف عليها -بكل احترام- دون خدش للحياء أو تجاوز للنظام، وعلى الرجل هنا تقبل سماع صوت المرأة بوضوح أكثر من ذي قبل، والتفاعل معه (مهما كانت نبرته)، فقد ظل صوت بعض الرجال يعلوا بأعذار مُختلفة (كمُتطلبات ومسؤوليات العمل، وتحمل ضغوط الحياة المالية والنفسية، وازدحام الشوارع.. إلخ)، وهو ذات الدور الذي تحاول المرأة القيام به اليوم، رغم وجود من يُطالبها بالعمل والإنتاج (دون صخب).
وعلى دروب الخير نلتقي.