سلمان بن محمد العُمري
في ديننا الإسلامي أبواب الأجور ومفاتيحها كثيرة وثوابها عند الله عظيم وكبير جداً سواء في الأقوال أم في الأعمال، ومن أبواب الخير العظيمة والجليلة الإنفاق في سبيل الله عز وجل فهو باب من أبواب الخير وخزينة من خزائن البركة المتعددة، ولا يقف المعروف عند حد، وكذلك الإنفاق في سبيل الله لا عدد ولا حد له ورب درهم سبق ألف درهم.
ومن سمات مجتمعنا السعودي ولله الحمد الإنفاق وبذل المعروف ابتغاء ما عند الله عز وجل ومرضاته وطمعاً في الثواب ثم هي طبائع اكتسبها جيل بعد جيل، ونجد في مجتمعنا ولله الحمد بذل الجاه والمساعدة بالنفس والنفيس وتفريج الكرب والمعونة في النائبات وإغاثة الملهوف، ونرى أناساً ونسمع قصصاً لمن عهد عنهم السماحة والعطاء، ونرى أيضاً هذه السمة الغالبة في المجتمع من جميع الناس فهناك صور رائعة من صور التكافل والتضامن والتآزر والتعاون وعطف الكبير على الصغير ورحمة القوي بالضعيف وهذه من سنن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يصل الرحم ويرحم الكَلّ ويكسب المعدوم ويقرى الضيف ويعين على نوائب الزمن.
ومن المظاهر الحميدة في مجتمعنا ما نراه من قيام الموسرين والمحسنين والمؤسسات الخيرية بتبني مشاريع خيرية ودعمها ورعايتها بالكامل أو الإسهام فيها وإنشاء مؤسسات وقفية تعنى بالعمل الخيري الخاص أو العام، ومنذ القدم كانت الوصايا والأوقاف متعددة المناحي وأوجه الصرف، ويقوم ناظر الوقف أو الورثة بتنفيذ وصية الموقف حتى وإن كانت بسيطة.
ومما يمتاز به ديننا الحنيف الشمولية وهو رحمة للناس جميعاً وكل أمر فيه خير ومنفعة للناس فإن الإنسان يثاب على عمله فيه إذا قصد به وجه الله عز وجل، بل أعظم من ذلك أن الدال على الخير كفاعله وفضل الله عظيم، ولقد طغى على عمل الخير لدينا في فترة من الزمن على أعمال محددة وكان التنافس والتسابق عليها دون غيرها، ومن ذلك بناء المساجد وتسبيل الماء «برادات» وإفطار الصائمين وأعمال أخرى محددة، وبلا شك فإن في هذا العمل ثواب وأجر كبير كما قال صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة الماء»، ولكن الخير لا يتوقف على هذه الأعمال وربما كانت هناك مصارف للصدقات والأوقاف في حينها أعظم ثواباً وأجراً ولاسيما إذا كان الأمر يتعلق بحياة الناس وإنقاذهم قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ولدينا أيضاً شواهد طيبة على أوقاف وأعمال خيرية في المجال الصحي ومن ذلك المستشفى الخاص لمكافحة سرطان الأطفال الذي بناه د. ناصر الرشيد قبل أكثر من عقدين، وكذلك بناء المراكز الصحية ومراكز غسيل الكلى، وجمعيات أصدقاء المرضى، ولكن هذا القطاع «القطاع الصحي» يشهد نصيباً أقل في العمل الخيري للأسف على الرغم من أننا نرى مبادرات يقوم بها بعض المحسنين والأفراد في دعم مشاريع خيرية خارجية، والشواهد التي ذكرتها قبل ذلك كمستشفى مكافحة السرطان أو مراكز غسيل الكلى، أو المركز الصحي الخيري في مدينة الرياض لا تكاد تكوِّن نسبة أمام المشاريع الوقفية والخيرية الأخرى، والأعمال التطوعية لبعض الأطباء في العمل في قراهم ومدنهم بعض أيام الشهر هي اجتهادات فردية لم تؤطر رسمياً.
ومع حاجة هذا القطاع الماسة للعمل الخيري بشقيه المالي والمهني فأتمنى أن تقوم وزارة الصحة، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والهيئة العامة للأوقاف، ومجالس الغرف التجارية بحث المحسنين ومسؤولي الأوقاف للالتفاته لهذا العمل الخيري الحيوي المهم ودعمه وتقديم ملفات لمشروعات خيرية صحية يتم كفالتها من قبل المحسنين أو فتح باب التبرعات عبر صناديق وتحت مظلة مؤسسات محاسبية، وأني على ثقة أن هذه المشاريع متى ما تم عرضها على الجميع فلن يتوانى الصغير ولا الكبير أو الغني والفقير في دعمها ومساندتها مادياً ومعنوياً؛ كما آمل أن يتم تنظيم برنامج العمل التطوعي للأطباء والاستشاريين بأن يعملوا زيارات لمدة أسبوع أو أسبوعين في القرى والمدن الصغيرة التي لا يتوافر فيها بعض الاستشاريين في التخصصات النادرة والقليلة توفيراً للوقت والجهد على المرضى الذين ينتظرون بالأشهر حتى يتم قبولهم في مستشفيات المدن الكبيرة لعدم توفر أسرة أو حجوزات ومواعيد لدى الأطباء.