مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
كشف رئيس جمعية دار الموسوعة الخيرية بمكة المكرمة معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة أن رسالة الجمعية إصدار عمل موسوعي عن الإسلام من خلال بيئة عمل احترافية يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وقال د.علي النملة في حواره مع «الجزيرة «إن مشروع موسوعة الإسلام يعد الهدف الرئيس للجمعية، الذي نبعت فكرته من افتقار الساحة العلمية إلى وجود موسوعة شاملة عن الإسلام والمسلمين محررة بأقلام منتمية للدين والثقافة الإسلامية، مشيراً إلى أن فريق العمل قطع ما يزيد على سبعين ألف كيلو متر لرصد عمل الموسوعات القائمة.
وأكد د.النملة أن العمل سينطلق إلكترونياً باللغتين العربية والإنجليزية، ثم تتم تغطية لغات أخرى غربية وشرقية، كما تناول الحوار عددًا من الموضوعات المتعلقة بالجمعية الناشئة وأعمالها.. وفيما يلي نص الحوار:
* كيف وردت فكرة إنشاء جمعية دار الموسوعة الخيرية بمكَّة المكرَّمة؟
- لقد نبعت فكرة مشروع موسوعة الإسلام من الشعور بالفراغ في الساحة العربية والإسلامية لمثل هذه الأعمال الموسوعية، التي تُكتب بأقلام منتمية لهذا الدين، بروح من السماحة والاعتدال والمنهج الوسطي، وإلا فالساحة العلمية والفكرية لا تنقصها الأعمال الموسوعية الموضوعية أو الشاملة، لكنها في الأغلب الأعمِّ، وخاصةً الموسوعات الشاملة، لا تتحدَّث بروح منتمية، وإنما معظمها مترجم - مع التحرير دون شكٍّ - من ثقافات وأفكارٍ، إنْ لم تُسيء إلى الدين فلن تجد فيها الروح السمحة المعتدلة ذات المنهج الوسطي.
* وكيف كانت بدايات طرح الفكرة على المعنيين بهذا الجانب من العمل الموسوعي؟
- انطلقت فكرة مشروع الموسوعة من أطهر البقاع مكَّة المكرَّمة؛ رغبةً في بركة المكان، بعصفٍ ذهني جمع نخبةً من أهل العلم والفكر في ليلة مباركة من ليالي شهر رمضان المبارك من سنة 1436هـ. واستقرَّ الرأي بعد ذاك اللقاء على أربعة من الأساتذة؛ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن جميل قصَّاص، والدكتور صالح بن عبدالله الحساب الغامدي من جامعة تبوك، والدكتور علي بن عبدالله العتيبي رئيس مركز أراك للدراسات الاستراتيجية والتخطيط، وأخوكم، ثم انضم إلى المجلس أمينًا عامًّا للمشروع الأستاذ صادق النور الذي يعمل في المجال التربوي والتعليمي.
* بعد تكوين المجلس التأسيسي بين مكَّة المكرَّمة والرياض، ما الخطوات التي اتَّخذها المجلس لدراسة انطلاقة المشروع؟
- يجتمع المجلس التأسيسي ثم مجلس الإدارة بعد ذلك مرَّةً في الشهر على الأقل؛ لمواصلة مناقشة مسيرة المشروع، من خلال خطَّة استراتيجية خمسية، انطلقت على بركة الله مطلع هذا العام. وقبل ذلك كان النقاش حول المعطيات التي تؤيد قيام المشروع أو الثني عن الفكرة.
وفي هذه الأثناء يعمل الزملاء في الأمانة العامة في الأعمال التنفيذية التي تُظهر التفاعُل بين هؤلاء العاملين. وفقهم الله تعالى.
* أي مشروع ناهض يحتاج إلى دراسات مكثَّفة لمعرفة مدى أهمِّيته وجدواه، فكيف توصَّلتم إلى دراسة جدوى إصدار موسعة شاملة عن الإسلام؟
- ومنذ ذلك الوقت توالت اللقاءات بورش العمل والزيارات والاستضافات، التي يُراد منها جسّ نبض المحيط العلمي والفكري حول جدوى إصدار هذه الموسوعة. واستعان المجلس من خلال ورش العمل -بعد عون الله- بما يزيد عن ثلاثة وثمانين (83) عالمًا وخبيرًا في مجال إعداد الموسوعات من عربٍ وعجمٍ.
واقتضى هذا مسحًا للجهود القائمة حول العالم بزيارة المجلس التأسيسي لمراكز لها عراقة في العمل الموسوعي. فزار الفريق مؤسسة «بريل» في مدينة لايدن بهولندا، التي أصدرت دائرة المعارف الإسلامية بأقلام المستشرقين. ثم زار المجلس مصر والمغرب والكويت وتونس والباكستان وتركيا، حيث يوجد بهذه البلدان مشروعات لأعمال موسوعية، بعضها جغرافية «جهوية» وبعضها موضوعية تعنى بحقل علمي واحد وتتوسَّع فيه، وبعضها كُتبت بلغة أهلها. وقد حسب الزملاء في الأمانة العامَّة المسافة التي قطعها أعضاء المجلس لهذه الزيارات بنحو 70.000 كيلو متر.
* تزخر المكتبة العربية والإسلامية بعدد من الأعمال الموسوعية، فما الذي ترونه يميِّز هذا العمل عن الموجود في الساحة العلمية والفكرية؟
- الميزة المرادة هنا هي أن تتميزَّ موسوعة الإسلام بعلميتها ونوعيتها وموضوعيتها وموثوقيتها في الطرح وأصالتها ومعاصرتها، بعيدًا عن أي عوامل خارجية قد يقودها الهوى فتؤثر في قبولها وانتشارها، وتقودها القيم الثلاث التي ذكرتها أعلاه، دون تحيِّز أو تفضيل أو سيطرة الهوى. وحصول الترخيص للمشروع باسم «جمعية دار الموسوعة الخيرية» أعطاها الغطاء النظامي «القانوني، الذي يجعلها تنطلق - بعون الله تعالى - تحت مظلَّة النظام العام في المملكة العربية السعودية ونظام المؤسسات والجمعيات الخيرية بالبلاد -حرسها الله-.
وستنطلق بحول الله تعالى إلكترونية، من خلال المواقع والتطبيقات والمنصَّات. ولن تكون هذه الوسائل الإلكترونية مفتوحةً للتعديل والتبديل، بل تتلقى هيئة التحرير الآراء والإضافات والتعديلات، فترى فيها رأيها قبل إدراجها في المادَّة، مع التنويه لذلك وحفظ حقوق الآخرين.
وروعي فيها أنْ تصدر ابتداءً باللغتين العربية والإنجليزية، ثم تتم تغطية لغات أخرى غربية وشرقية - بحول الله تعالى - وستصدر ورقية بعدئذٍ إذا ما اكتملت تغطية المداخل التي قد تتجاوز عشرين ألف مدخل، بحسب حروف الهجاء العربية.
* يردِّد بعض القائمين على مثل هذه المشروعات الكبيرة أنهم سيبدؤون من حيث انتهى الآخرون، فهل هذا الوضع ينطبق على مشروع موسوعة الإسلام؟
- يقوم المشروع على الإفادة من جهود الآخرين السابقين والمعاصرين من مختلف الثقافات ومن خلال الخطَّة الخمسية، التي قام بإعدادها مباشرةً عضو المجلس التأسيسي ثم عضو مجلس الإدارة الزميل الدكتور علي بن عبدالله العتيبي المتخصِّص في التخطيط الاستراتيجي وزملاؤه بطرح فكرة «خريطة الإنتاج»، ومن خلال الخطط المتوالية - بعون الله تعالى -. وأقمنا لهذا الغرض ورشة عمل خاصَّةً دعينا إليها عددًا من المتخصِّصين في العمل الموسوعي، وصل إلى ثلاثين خبيرًا. ونقيم ورش عمل قادمةً - إن شاء الله -.
أما القول بأنَّ مشروع الموسوعة سيكون الأشمل والأكبر والأضخم، وجميع أفعال التفضيل التي تُزجى على بعض المشروعات الحيوية فهذا من المبالغات التي تتعارض مع الطرح العلمي الموضوعي والإمكانات والانطلاقة. ولا بُدَّ من التوكيد على هذا؛ تجنُّبًا لحظوظ النفس. ويكفي القول بأنَّ هذا المشروع طموح وحيوي ومستمرٌّ بإذن الله تعالى، إذ إنه مشروع مفتوح النهاية ولا يتوقَّف.
* وكيف ترون مرحلة النشر وبسط المعلومة الإسلامية للمستفيدين والمستفيدات؟
- طبيعة الأعمال الموسوعية الشاملة أنها تقدِّم المعلومة المجرَّدة، لكن من خلال نظرة منتمية تتَّسم بالوضوح والشفافية، بأداء احترافي يعتمد النصَّ والصورة الثابتة والمتحرِّكة ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، دون الدخول في الحكم على الموضوع أو المادَّة (المدخل)؛ ليتمكَّن الباحثون عن المعلومة من الدراسة والتحليل والتوسُّع، منطلقين من مواد الموسوعة نفسها ومداخلها، أو من خلال الكتب التي تعالج موضوع المدخل. وسيكون أسفل كلِّ مدخل عددٌ من المصادر والمراجع التي تعين - بعون الله تعالى - على التوسُّع.
* ألا ترون أنه من الأهمِّية بمكان استقطاب ذوي الاختصاص في الشأن الإسلامي؛ للإفادة من خبراتهم وعلمهم وتجاربهم داخل المملكة العربية السعودية وخارجها؟
- إنَّ طبيعة العمل الموسوعي في مجال التحرير أن يعتمد - بعد الله تعالى - على مفهوم الاستكتاب، الذي يعتمد بدوره على توافر أعداد كثيرة من العلماء والمفكِّرين في أنحاء العالم قاطبة، ما داموا يتَّسمون بالانتماء لهذا الدين وهذا عاملٌ مهمٌّ ومؤثِّر، دون إغفال فئات من المنصفين الذين يرون في موضوع الموسوعة مخرجًا للمآزق التي تمرُّ بها الأمم.
* في ظلِّ الصراعات الفكرية والتحوُّلات التي تشهدها الساحة الإسلامية هل تعتقدون أنَّ هذا «الجو» سيؤثِّر على مسيرة العمل؟
- من مبادئ المشروع التي تكفل - بحول الله نجاحه - الابتعاد عن الصراعات الفكرية، التي تظهر على الساحات الفكرية العربية والإسلامية والدولية والابتعاد عن مواطن هذه الاختلافات؛ إذ إنَّ طبيعة عمل هذه الموسوعة الموضوعية والتجرُّد وعدم التحيُّز؛ حيث إنه مشروع علمي يهدُف إلى الإقناع من خلال الموضوعات التي يطرحها والتعريف بالإسلام على المنهج الذي سار عليه رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمةً للعالمين وصحابته - رضي الله عنهم جميعًا - والتابعون - رحمهم الله تعالى جميعًا - ومن خلال عدد كبير من المداخل المنبثقة عن البعد عن التحيُّز والميل.
* وهل ستقتصر الدار من خلال الجمعية على إخراج الموسوعة أم أنَّ لديكم طموحات أخرى؟
- داخل العمل الموسوعي، وفي ضوء أهداف الجمعية لن يقتصر العمل على إصدار الموسوعة، بل إنه سيتخطَّى ذلك إلى أنْ تكون الدار بيت خبرة يقدِّم الاستشارات والخبرات والخطط الاستراتيجية لأعمال موسوعية، قد تكون موضوعيةً أكثر من كونها شاملة. بالإضافة إلى عزم الدار - بإذن الله تعالى وبحكم الترخيص لها - على أنْ تكون لها إصدارات تنبثق من عملها الموسوعي.
* يظهر من هذا الطرح أنَّ هذا المشروع كبير وممتدٌّ، وهذا المسار يقتضي العناية بالموارد المالية التي تضمن له الاستمرار في أداء مهمَّاته العلمية، ولا شكَّ أنَّ هذا البُعد مأخوذ بالحسبان، أليس كذلك؟
- أما في مسألة الموارد المالية للمشروع فإنه من المهم التوكيد على أنَّ المشروع مستمرٌّ ومفتوح النهاية - بحول الله تعالى - مما يحتِّم إيجاد موارد مالية تتَّسم -بقدر الله وتوفيقه- بالديمومة. وأولها وأهمها تفعيل مفهوم الأوقاف التي تضمن -بإذن الله- موردًا شبه ثابت يُعتمد عليه في التشغيل والأداء. ثم تأتي الدعوم المطلوبة قطعًا من الزكوات والصدقات والهبات والمنح المادية والعينية المنقولة والثابتة، ومن خلال بعض الآليات المشروعة في تنمية الموارد المالية. وقد دشَّنت الجمعية بعض هذه الآليات مثل منفذ «أصدقاء الموسوعة» وغيرها من المنافذ المتجدِّدة. ولا شكَّ أنَّ لدينا ضمن الخطَّة الاستراتيجية والخطط القادمة خططًا فرعية لتنمية الموارد المالية.
وحكومة خادم الحرمين الشريفين -أيَّده الله- لا تفتأ تقف إلى جانب هذه المشروعات الخيرية - عن طريق الجهات المعنية بهذا القطاع - بالدعم المتواصل؛ إذ إنَّ هذه البلاد المباركة تقف في طليعة الدول الداعمة للأعمال الخيرية، بشهادة الجهات والمنظَّمات الدولية التي ترصد إحصائيًّا إسهامات الدول حكومات ومواطنين في مسيرة دعم الأعمال الخيرية. أدام الله تعالى لهذه البلاد عزَّها وعطاءاتها في خدمة الإسلام والإنسان.