د. صالح عبدالله الحمد
جبل كيليمنجارو في تنزانيا باسمه المُدلَّع به (كيلي) هو الأكثر ارتفاعاً في قارة إفريقيا، والرابع في العالم، من حيث الارتفاع، شمال شرق تنزانيا، ويتألف من ثلاثة مخاريط بركانية، هي كيبو، وما ينسي، وشيرا، وتبلغ أعلى قمة الجبل (5895) متراً عن سطح البحر، وهو أشهر المعالم السياحية الطبيعية في تنزانيا، وإفريقيا. ويحتوي الجبل على عدد من المحميات والحدائق، وقد استُكشِفَ من قبل المستكشف الأوربي يوهانس ريبمان عام 1848م. ومعنى كلمة كيليمنجارو بالتنزانية الجبل الأبيض، ذلك لأنه مغطى بقبة من الثلج الدائم. يبعد الجبل عن المحيط الهندي بـ280 كم كما يبعد عن خط الاستواء 340 كم جنوباً.
وهذا الجبل أساسي للسياحة في تنزانيا، حيث يزورها نحو 30.000 سائح سنوياً منهم كانت هذه السطور سنة 2020 بهدف تسلق الجبل، حيث يمكن تسلقه من دون معدات خاصة للتسلق، ما عدا العصا حيث يوجد خمسة طرق لتسلقه والوصول إلى قمته.
تعتبر منطقة كيليمنجارو من المناطق المنتجة للقهوة، والقمح، والشعير، والسكر، ويستفيد السكان الذين يعيشون في المنطقة من واردات السياحة، حيث يوجد نحو (18) قرية تقع في محمية الغابات وخارج حدود الجبل، ويسكنها السكان الأصليون..
هذه معلومات مختصرة عن هذا الجبل الأشم، أما كيف سافرت إليه واعتليت قمته -بحمد الله- فقد كانت الفكرة تراودني منذ زمن طويل إلى أن هيأ الله سبحانه وتعالى وجود مؤسسة سعودية تعلن عن الذهاب إلى ذلك الجبل، ببرنامج واضح ومحدد بتكلفته، وسكنه، وأيامه، فقررت العزم على مرافقة تلك المؤسسة، وتم التسجيل والإجراءات الأخرى، والاستعداد لمتطلبات التسلق، من ألبسة، وأدوات، وخلافه، وتم الحجز من الرياض العاصمة بتاريخ 9-1-2020م الساعة 3,30 فجراً إلى أديس أبابا ومنها إلى كيليمنجارو المدينة. وما أبهرني هو ذلك التطور الهائل لهذه الخطوط، وكيف أصبحت مقراً للترانزيت في قارة إفريقيا كلها، وكيف استطاع مطارها استيعاب هؤلاء الركاب جميعاً من مختلف دول العالم.
وأما الأغرب من هذا كله فهو حينما تشاهد طريقة التنظيم الكاملة في توزيع الركاب المواصلين على أقسام المطار دونما تأخر عن الرحلة المواصلة. بعد وصولي إلى مطار أديس أبابا ذهبت إلى الصالة الموضحة حتى وصلت عند بوابة السفر إلى كيليمنجارو وانتظرت بحدود الساعتين أو تزيد قليلاً، وبعد أن أعلن عن السفر صففنا بانتظام ودلفنا إلى الطائرة الأنيقة وأقلعت إلى مطار كيليمنجارو الذي وصلنا إليه - بحمد الله - الساعة 12.50 ظهراً بالتوقيت المحلي المتطابق مع توقيتنا هنا في المملكة. مطار كيليمنجارو متواضع جداً، في المبنى، والخدمات، يغلب عليه الروتين الممل، والبطء بالعمل، بإنهاء الإجراءات. من الغرائب في تنزانيا عدم دخول أي مادة بلاستيكية مطلقاً، والأمر في هذا صارم جدًا، خرجنا من المطار - بحمد الله - مع الإخوة المشاركين في تسلق الجبل، وركبنا السيارة المعدة من قبل الشركة التنزانية المتعاقد معها من قبل المؤسسة السعودية، حيث كان التنظيم من قبل الجميع دقيقاً في الاستقبال، وتهيئة وسيلة النقل، حيث تم نقلنا إلى الفندق الذي يبعد عن المطار ساعة كاملة، الفندق متواضع في موقعه، وغرفه، وخدماته، بل ونظافته، لكن الوقت كان قصيرًا جداً، ومشت الأمور - بحمد الله - وبتنا في الفندق تلك الليلة بعد أن تناولنا الطعام في مطعم جميل على حساب صاحب المؤسسة السعودية - أكرمه الله وجزاه خيرًا - وفي الصباح الباكر تناولنا طعام الإفطار، ثم الغداء، وجهزنا أنفسنا للصعود إلى الجبل حيث يكون هذا هو اليوم الأول 10-1-2020 توجهنا إلى البوابة لنبدأ الرحلة على ارتفاع 1830 متراً عن مستوى سطح البحر، والسير في اليوم الأول لمدة (7) ساعات إلى (Machame hot) على ارتفاع (3000) متر عن سطح البحر، ولقد كانت بداية الانطلاق في تمام الساعة الرابعة والوصول الساعة (11) ليلاً، حيث كنا نسير في الليل على ضوء كشافات الرؤوس، وكان الطريق شاقاً، ومتعبًا، حيث كان اليوم الأول.. بعد الوصول إلى المكان وجدنا الخيام والأمكنة معدة من قبل الشركة التنزانية الراعية، تناولنا طعام العشاء، ومن ثم شرعنا في المبيت حيث لم يكن المكان مريحًا لرطوبته من المطر وتواجد الأحجار المنتشرة في المكان، حيث إن بيئة الجبل منذ البداية حتى النهاية هكذا، والأرض غير مستوية والخيام صغيرة. وفي الصباح قمنا بتأدية الصلاة والإفطار ولملمة عفشنا والاستعداد لليوم الثاني..
اليوم الثاني11-1-2020م.
التسلق إلى مخيم (Shira) على ارتفاع (3480) متراً، ولقد بدأنا السير الساعة (8) صباحاً ووصلنا المخيم في تمام الساعة (3) أي (7) ساعات، ولقد كان الطريق وعراً جدًا وبه صعود ونزول وصخور كبيرة وتسلق، وهذا اليوم يُعَدُّ أصعب الأيام التي مررنا بها ربما لعدم التعود واللياقة سبب في ذلك، اليوم الثالث 12-1-2020 التسلق إلى (Lava TowertoBarranco cap) والمسافة (10)كم والوقت المقدر من (7-10) ساعات، اليوم الرابع 2020/1/ 13م التسلق إلى (Karongacap)
المسافة (5)كم والوقت المقدر من (4-5) ساعات، اليوم الخامس 2020/1/14م التسلق إلى (Barofu camp) والمسافة من (4-6) والوقت المقدر من (4-5) ساعات، اليوم السادس 2020/1/15م الاستعداد للصعود الكبير والأخير للقمة حيث كنا مستعدين ليلاً في تمام الساعة (11) ليلاً وبدأنا التسلق بعد أن وضعنا مصابيح الرأس طبعاً والسير إلى القمة ومدة الصعود المتوقعة (8)ساعات ومشاهدة شروق الشمس من هناك بعد الوصول إلى القمة التي وصلناها الساعة (9) صباحاً، وهذه الليلة من أصعب أوقات التسلق لاستمرارها
في الليل وشدة البرد وصعوبة الطريق وقلة الأكسجين، حيث بعد وصولنا للقمة لم يكن البعض منا مستوعباً ما حدث ولذا كان التقاطنا للصور محدوداً ولم نُطِلْ الجلوس في القمة حسب التعليمات الرسمية، ثم بعد ذلك واصلنا العودة نزولاً إلى منطقة (Mwekea Gate) استغرق وقت النزول (6) ساعات وأصبح إجمالي مسافة الصعود والنزول لهذه الليلة واليوم من الساعة (11) ليلاً إلى الساعة (4) عصراً من اليوم التالي، وقد كانت مسافة الصعود والنزول في الليلة واليوم التالي تصل إلى أكثر من (12) كم، بعد وصولنا إلى المخيم بعد صعود القمة تبادلنا التبريكات وتناولنا طعام الغداء ومن ثم الاستعداد للتحرك من مكاننا هذا إلى مكان آخر حيث الأنظمة لا تسمح لنا بالمبيت هنا، استعددنا للمغادرة وواصلنا المسير بعد العصر ووصلنا المكان الجديد ليلاً الساعة (10)، تناولنا طعام العشاء وبتنا في هذا المكان حتى الصباح.
اليوم السابع والأخير 16-1-2020م
قمنا من النوم وأدينا الصلاة - بحمد الله - وجهزنا العفش وتناولنا طعام الإفطار وفي تمام الساعة (8) صباحاً بدأنا المسير والنزول إلى بوابة العودة والانتهاء من تسلق الجبل (Mwekea Gate) عبر طريق مزعج تتخلله الأحجار والنزول من أمكنة خطرة، وصادف نزولنا تساقط الأمطار في الطريق مما زاد من صعوبة النزول حيث الأحجار والانزلاق، لكن الأمور - بحمد الله - تمت على خير ما يرام، ووصلنا الساعة (4) عصراً وأقمنا احتفالاً مصغراً بيننا وبين العمال والمرشدين المرافقين تم فيه تبادل التبريكات وتوزيع بعض الهدايا على العمال والمرشدين من قبل المؤسسة السعودية (آكام)،
ثم بعد ذلك تم تسجيل العودة مرة أخرى لدى السلطات، بعدها ركبنا السيارة وذهبنا لتناول طعام الغداء ثم الذهاب إلى الفندق المعد للسكن..
العدد المتواجد في هذه الرحلة (رحلة التسلق) من الإخوة السعوديين (9) أشخاص وكلهم - بحمد الله - اجتازوا الصعود إلى القمة بكل جد، وكان لي الشرف الكبير بصحبتهم حيث كانوا من خيار الصحبة ديناً وخلقاً وكرماً وتعاوناً ومساعدة، ولذا فإن من المكاسب الكثيرة التي حصلت عليها في هذه الرحلة التعرف على هؤلاء حيث اكتسبت منهم وتعلمت أيضاً الشيء الكثير -وفقهم الله..
بعد انتهاء رحلة التسلق بدأنا بالعودة إلى الوطن، إذ لم تكن العودة في يوم واحد وإنما على فترات، فاثنان عادا في اليوم الثاني، وأربعة عادوا في اليوم الثالث بعد زيارة محمية السفاري ليوم واحد، وأنا واثنان عدنا في اليوم الخامس من نهاية التسلق، حيث قمنا بزيارة محميتين من محميات السفاري والتي تبعد عن الفندق مقر سكننا ما يربو على (5) ساعات، غادرنا الفندق في الصباح الباكر ليوم السبت الموافق 18-1-2020م وكان الطريق ذا خضرةٍ جميلة، تناولنا طعام الإفطار في مطعم أنيق وسط الطريق ومن ثم واصلنا المسير للمحمية الأولى التي وصلناها إليها في حدود الساعة (11) صباحاً، دخلناها وتجولنا بها وهي واسعة وكبيرة جدًا لكن طرقاتها مزعجة وغير مسفلتة، وتحتوي على أشجار كثيفة ومتنوعة منها المعمر كثيراً، كما تحتوي على مجموعة مختلفة من الحيوانات العادية بالنسبة لنا، إذ لا يوجد بها شيء جديد غير ما كنا نعرفه بالسابق عدا أنواع بعض الطيور التي نجهلها أما عدا ذلك فلا يوجد شيء غريب.
أثناء تجمع السياح لتناول طعام الغداء في المكان المخصص وعلى طاولات معدة لذلك لفت انتباهي شيء غريب كنت أرجو أن يطبق في بلادنا، وهو صرامة القانون بعدم رمي مخلفات الأوراق والبلاستيك والقواطي، فالمكان نظيف جداً والكل يحرص حمل مخلفاته معه ووضعها بالمكان المخصص عند بوابة المحمية..
بعد تناول الغداء تجولنا بالمحمية قليلاً ثم خرجنا منها بعد انتهاء التجوال وذهبنا بعد ذلك إلى مدينة صغيرة تقع بين المحميتين، كنا مؤملين من الشركة التي تنقلنا أنها حجزت لنا فندقاً للنزول به لكن ذلك لم يكن للأسف وتعبنا من خلال السائق ومرافقه بالبحث عن فندق ولم يحصل ذلك حتى آذان المغرب، المهم حصلنا على فندق نظيف ونزلنا به وتناولنا طعام العشاء ثم بعد ذلك تفرقنا لغرفنا من جراء التعب ونمنا - بحمد الله، وفي الصباح الباكر نهضنا وأدينا الصلاة ثم تناولنا طعام الإفطار ولملمنا عفشنا استعداداً للذهاب إلى المحمية الأخرى، وهي محمية نقورو نقورو التي وصلناها مبكرين، حيث كانت قريبة من مبيتنا وتجولنا بها، وزرنا ما يُسمى شعب المسايا الساكنين ضمن نطاق المحمية، وهم شعب لهم عادات وتقاليد وألبسة خاصة بهم، وهم يرعون البقر وتسكن معهم ومسكنهم غرف مبنية من الطين مخلوط بمخلفات البقر، والموافقة على زيارتهم لا تتم إلا بمبلغ حيث دفعنا لهم خمسين دولاراً، ولهم طقوس يقيمونها أثناء الزيارة من أناشيد وحركات رياضية ورقص وزيارة لمساكنهم الضيقة والقذرة جداً، وحمدنا الله على النعمة التي نعيش بها بعد ما رأينا أحوال هؤلاء وكيف تعيش الأسرة كاملة في غرفة صغيرة ينامون ويطبخون بها!!
بعد ذلك تجولنا بالمحمية التي هي الأخرى لا يوجد بها شيء غريب بالنسبة لنا عدا كثرة الحيوانات والطيور بهذه المحمية من فيلة وأسود وضباع وغزلان وجواميس وحمير الوحش والخنازير البرية وغير ذلك كثير.. الطرق داخل المحمية غير معبدة ومزعجة ونحن نتجول عبر سيارة جيب مكشوفة ومهيأة لهذا الغرض والنزول ممنوع وقذف الأطعمة على الحيوانات كذلك، استمررنا في التجوال حتى آذان الظهر ومن ثم غادرنا المحمية إلى المدينة حيث يستغرق الطريق (6) ساعات بعد الخروج من المحمية والسير قليلاً، توقفنا بمكان أنيق يشتمل على مكان كبير نظيف لبيع الآثار والمقتنيات والمنحوتات التنزانية وكذلك مطاعم ودورات مياه فاخرة، توجهنا إلى أحد المطاعم وتناولنا طعام الغداء ومن ثم مواصلة الرحلة إلى المدينة عائدين إليها استعداداً للسفر يوم غدٍ الموافق 20-1-2020م حيث وصلنا المدينة عند آذان المغرب وذهبنا إلى فندقنا وتناولنا طعام العشاء ثم بتنا وغادرنا بعد الظهر إلى مطار كيليمنجارو بالطريق نفسه وعلى الخطوط الأثيوبية أيضاً، أقلعنا من المطار التي كانت إجراءاته روتينية بطيئة الساعة (6.10) دقائق ووصلنا أديس أبابا الساعة (8.20) وواصلنا الانتظار بصالة الترانزيت حتى الإقلاع إلى الرياض الحبيبة الساعة (10.30)، ووصلنا - بحمد الله - الساعة (2,10) بعد منتصف الليل. خدمات الخطوط الأثيوبية وانتظامها جيدة والتنظيم أثناء الترانزيت ممتاز والخطوط الأثيوبية متطورة جدًا...
مقتطفات من الرحلة:
- التسلق إلى جبل كيليمنجارو طويل وشاق وصعب لكنه لا يخلو من المغامرة وحب الاستطلاع، ولقد كان لتعاون المجموعة والتشجيع أثر كبير في تذليل الصعاب..
- العمال الذين يحملون أمتعتنا ويجهزون الخيام في الأمكنة التي ننزل بها في كل ليلة وكذا إعداد الطعام الفاخر متعاونون ومتمكنون من عملهم وتستغرب من سرعتهم في جمع الخيام وبقية العفش وحمله سريعاً والذهاب به عاجلاً لتجده أمامك جاهزاً في المحطة القادمة للتوقف..
- الشعب التنزاني شعب لطيف وودود ومبتسم والمسلمون يشكلون 40 % من السكان..
- الأسواق والمباني متواضعة جدًا والسياحة داخل المدينة فقيرة كذلك..
- العملة التنزانية هي الشلن والدولار يسير جنباً إلى جنب مع العملة المحلية ويعادل (2300) شلن.
- الاهتمام بعدم رمي المخلفات بالشوارع والمطاعم والحدائق والقانون صارم حول ذلك كما أن الحيوانات التي قابلناها أثناء الصعود والتسلق في الصحراء تعيش مطمئنة ولا أحد يستطيع صيدها أو الاعتداء عليها..
- هذا ما أحببت تسطيرة عن هذه الرحلة التي أعتبرها من أغرب الرحلات في حياتي معتذراً من إخواني الكرام في الرحلة ومن القراء الكرام على الإطالة وعدم إعطاء الموضوع حقه كاملاً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..