نهاية الأسبوع الماضي شهدت مباريات الدوري الألماني لكرة القدم تطورات لافتة، إِذ هوجم شخص واحد لا غيره، ما أثر على سير جميع المباريات. كيف ذلك؟ ومن هو هذا الرجل؟
ديتمار هوب كان الشخصية المحورية للمرحلة 24 من منافسات بوندسليغا يومي السبت والأحد الماضيين. وضده رفعت لافتات بعبارات نابية في عدد من المباريات، كمباراة هوفنهايم أمام بايرن ميونيخ ما استدعى توقيفها مرتين. وفي الدقيقة 77 عاد اللاعبون واكتفوا بتمرير الكرة بينهم إلى غاية نهاية المباراة في حركة رمزية تشدد على غضب الناديين من مشجعيهم. وذلك رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها لاعبو بايرن في سبيل إقناع الجمهور باحترام أخلاقيات النادي، وإلا سينهزمون في هذه المباراة رغم تقدم بايرن بسداسية نظيفة.
المشهد ذاته يتكرر في مباراة بروسيا دورتموند أمام فرايبورغ حيث علت الأصوات بعبارات مهينة ضد ديتمار هوب مالك نادي هوفنهايم، ما أدى إلى إيقاف اللعب مؤقتًا. ثم بعد ذلك، في مباراة يوم الأحد (الأول من مارس 2020) بين فريقي برلين وفولفسبورغ، وهذه المباراة توقفت بدورها مرتين.
من هو هذا الرجل؟
ديتمار هوب مستثمر ألماني في الـ79 من العمر، يعد من أكبر أثرياء ألمانيا. كمهندس إعلاميات بدأ مسيرته مع شركة IBM العملاقة للبرمجيات، قبل أن يطور نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب مهندسين آخرين برنامج SAP المختص في معالجة البيانات، ويفتح شركته التي أصبحت اليوم ثالث أكبر شركة برمجيات عالميًا بعد مايكروسوفت وأوراكل. عام 2003 تخلى هوب عن إدارة الشركة لكنه لايزال يحتفظ بنسبة 5.2 بالمائة من عائدات أسهمها، وذلك وفق بيانات الشهر الماضي الصادرة عن شركة بورصة القيم الألمانية.
أنشأ ديتمار هوب العديد من الجمعيات والمنظمات الخيرية بقيمة 600 مليون يورو وهي تعمل في عديد من مجالات الحياة، بما فيها التدريس والطب والرياضة. وجميع الهبات التي تقدمها مؤسساته الخيرية تركز على مسقط رأس الملياردير في جنوب غرب ألمانيا.
ما علاقته بالدوري الألماني؟
أكبر استثمار لهذا الرجل خصّه لنادي هوفنهايم. هذا النادي الصغير الذي لعب فيه حين كان طفلاً. وبفضل أموال هوب قفز هوفنهايم من نادي «الضيعة» الذي لا يعرفه أحد إلى دوري الدرجة الثالثة وكان ذلك بين عامي 1990 و2001. وفي عام 2005 أعلن ديتمار هوب نيته في قيادة هوفنهايم إلى دوري الدرجة الأولى، ولهذا الغرض تعاقد مع المدرب رالف راينيك. بعد عامين صعد النادي بالفعل إلى دوري الدرجة الثانية، ثم في العام الموالي انتزع مكانه بين كبار الدوري الألماني.
ما يعني أن 18 عامًا احتاجها ديتمار هوب لقيادة نادٍ صغير جدًا إلى عالم بوندسليغا. تشير العديد من التقارير المحلية أن هوب خصص 350 مليون يورو لناديه، عبرها تعاقد مع لاعبين مهمين، وموّل ملعبين إضافة إلى مركز هوفنهايم للتدريب.
اليوم وبفضل نجاح الفريق وقيمة صفقات اللاعبين التي بات يعقدها لم يعد بحاجة إلى أموال هوب. فالطفل الصغير أصبح شابًا يافعًا يشق طريقه بنفسه.
لماذا كل هذا الغضب؟
بالنسبة للمشجعين وأعضاء ألتراس الأندية الأخرى، هوفنهايم «دخيل» على الساحة الكروية لأن نجاحته وكما يعتقدون «تم شراؤها» بأموال ديتمار هوب الذي أطاح بقاعدة 50 +1 المعمول بها في الكرة الألمانية، التي تمنع أن يضع المستثمرون يدهم على أغلبية أسهم النادي، إلا ديتمار هوب الذي سمح له بذلك.
هي «ثورة» يقوم بها عشاق الأندية التقليدية ضد رأسمالية كرة القدم وهذا الرجل بات وجه هذا التوجه.في العمق يمكن تشبيه ما حدث نهاية الأسبوع بالمظاهرات ضد العولمة التي تنتقد «توحش السوق»، غير أن الاحتجاج اتخذ أشكالاً مرفوضة لا يمكن للأجهزة الساهرة على كرة القدم الألمانية السكوت عليها.
يذكر أن ألتراس بروسيا دورتموند على وجه التحديد، يهاجم منذ سنوات وبقوة ديتمار هوب وكان أول من رفع لافتة وضع عليها صورته وحول رأسه دوائر نعرفها من تمرينات الرمي بالرصاص.
كان ذلك في عام 2008 وهو ما تكرر أمس الأحد في مباراة برلين وفولفسبورغ. وإلى جانب ألتراس كان أيضًا رئيس نادي دورتموند من أكبر مهاجمي هوب، فقد طالب عام 2011 رابطة الأندية الألمانية بفتح تحقيق ضده وضد ناديه للتأكَّد من صحة دفاتر هوفنهايم.
ما السبب في تصاعد الهجوم الآن؟
من الواضح أن ألتراس الأندية الأخرى تحركت نهاية الأسبوع بالتنسيق فيما بينها، لتضع حتى أنديتها أمام الأمر الواقع. وإن كان الهدف المعلن هو شخص مالك هوفنهايم، فإن مشجغي الأندية في حقيقة الأمر غاضبين جدًا من الاتحاد الألماني لكرة القدم. وذلك بسبب قراره الأخير بمنع أحد مشجعي دورتموند من دخول ملعب هوفنهايم لثلاث مباريات متتالية يشارك فيها فريقه. وكان السبب، مرة أخرى، شعارات تهاجم ديتمار هوب.
هذه الخطوة أدت وكما اتضح فيما بعد إلى حركة تضامن واسع بين المشجعين مهما اختلفت قمصان أنديتهم. لكونهم مقتنعين أنه «قرار تعسفي» لم يكن سيصدر لولا أن الأمر يتعلق بهوفنهايم وبمالكه ديتمار هوب، وخصوصًا أن الاتحاد واستنادًا على قرار صادر من عام 2017 لم يعد راغبًا في إصدار أحكام الإيقاف ضد المشجعين.
ما الحل؟
المشهد حاليًا يسيطر عليه التصعيد والاختناق. فمن جهة رابطة الأندية الألمانية والاتحاد الألماني لكرة القدم يتجهان نحو إجراءات أكثر قسوة، وخصوصًا أن درجة العنف في الملاعب الألمانية أصبحت مقلقة جدًا مع تزايد كمية الشعارات العنصرية العنيفة التي باتت ترفع مؤخرًا. ومن هذا المنطلق تمّ إيقاف المباريات نهاية الأسبوع، أوليًا مؤقتًا، مع إطلاق تحذيرات خاصة في مباراة برلين وفولفسبورغ بمعاقبة المتورطين.
تلا ذلك قرار الحكم بإرسال جميع اللاعبين إلى غرفة الملابس، والتهديد بوقف المباراة كاملة في حال تكررت الأمور. ولا يستبعد أن تتجه الأمور إلى ما هو أشد في الأسابيع القادمة.
صباح الاثنين وفي محاولة لاستيعاب ما حصل، ظهر تباين واضح بين رجالات الكرة الألمانية والمسؤولين حول طريقة التعامل مع الجماهير الغاضبة، فهناك من يدعو إلى رد حاسم لأعمال يقوم بها «مخربون» أو حتى «إرهابيون» عنصريون يطيحون بعالم الرياضة، بينما يوجد فريق آخر يدعو إلى فتح قنوات الحوار المغلقة أصلاً بين الألتراس والاتحاد.
في المقابل يرى الألتراس والمشجعون أنه حان الوقت لما يصفونه بـ»ثقافة حقيقية وخالصة» لكرة القدم، بعيدًا عن الأهداف التسويقية التي «أفسدت» عالم الساحرة المستديرة. وليس هذا فقط بل هم يرفضون النظر إليهم كمستهلكين للمنتوج الجديد، ويطالبون بدور قيادي يليق بهم كحكم «أخلاقي» مهمته السهر على إلا يسيطر المال على الكرة. لكن الوسائل تطرح أكثر من علامة استفهام.