د. عيد بن مسعود الجهني
أرامكو تدير عمليات تبدأ بالتحري والتنقيب والاستكشاف والاستخراج والإنتاج حتى التكرير والنقل والبحوث العلمية في الطاقة.. الخ، فتاريخها حافل بالإنجازات العديدة في ميدان صناعة النفط.. وهذا النجاح لم يتحقق بين عشية وضحاها ولم يأت من فراغ إنما مهندسه العنصر البشري الخلاق.
ولذا فهي تعتبر نموذجاً فريداً في كفاءة الأداء مطبقة دور الزمن في الإدارة الحديثة.. فالزمن نصف الإدارة فما من عمل يؤدى إلا كان الزمن بجانبه، وما من مخلوق حي لا يؤدي عملاً ضمن زمن.
وأعمال عملاق النفط العالمي تشتمل على التنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه ومعالجته، كما تشتمل على أعمال التكرير وتقطير الغاز وإنتاج المواد البتروكيميائية وتوزيع المنتجات البترولية والغاز إلى العملاء..الخ.
أرامكو تحتضن حقول نفط عدة منها حقل الغوار العملاق الذي يمثل لوحده بحيرة نفطية عملاقة في الأراضي السعودية كأكبر حقل على اليابسة في العالم يمثل احتياطيه أكثر من 70 مليار برميل وينتج (5) ملايين ب/ي.. هذا الحقل الضخم لوحده يضع السعودية كإمبراطورية نفطية في عالم البترول.
ولأن المملكة تبنت رؤية طموحة (2020 - 2030) في مقدمة أهدافها التحلل من عباءة النفط الذي تسيطر أرامكو على أكثر من (266) مليار برميل احتياطي نفطي مؤكد منه، فأصبح تنويع مصادر الدخل ضرورة مالية وليس ترفاً، وبذا فإن إعلان الشركة عن تطوير حقل (الجافورة) العملاق للغاز في المنطقة الشرقية ليمثل فجراً جديداً في صناعة البترول والغاز والبتروكيماويات في بلاد الحرمين الشريفين.
إنه خبر طال انتظاره، (أرامكو) قائدة الإنجازات الكبرى الواحدة تلو الأخرى بدأت خطوة إستراتيجية تتمثل في تطوير هذا الحقل واسع المساحة 170 كيلو متراً طولا و100 كيلو متر عرضا، مساحة شاسعة يرقد تحتها حوالي (200) تريليون قدم مكعبة من الغاز الخام الغني بسوائل الغاز الذي يمثل اللقيم للصناعات البتروكيماوية والمعدنية طبقاً لإعلان الشركة.
الرؤية التي ركزت على التحول الاقتصادي السعودي من خلال التوسع في مشروعات وصناعة الغاز الطبيعي، باعتباره أكثر الموارد التقليدية صداقة للبيئة، فهو من أفضل أنواع الوقود المستخدم حالياً بسبب تميزه بصفات تجعل إمكانية التلوث من استخدامه ضئيلة جداً، وتتمثل هذه الصفات في احتراقه التام مما يؤدي إلى إنتاج الماء وثاني أكسيد الكربون بدلاً من غاز أول أكسيد الكربون السام، احتوائه على كميات صغيرة جداً من الشوائب والتي يمكن فصلها بتكلفة منخفضة، ضآلة كميات أكاسيد الكبريت الناتجة منه مقارنة بالمصادر الأخرى للوقود الإحفوري.. الخ.
وبذا فإن الاستثمار في هذا الميدان من صناعة الطاقة حظي بدعم الدولة غير المحدود، وتخصيص مبلغ فلكي (110) مليار دولار للاستثمار في هذا الحقل العملاق يعد في علم الاستثمار خطوة هامة تجعل المملكة تدخل نادي الغاز العالمي من أوسع أبوابه لتصبح واحداً من أكبر المنتجين الدوليين في هذه السلعة النفيسة.
هذا الحقل سيمر بمراحل تطويرية حتى اكتماله ففي عام 2024 ستبدأ باكورة إنتاجه التي تستمر في وتيرة الزيادة من إنتاج الغاز ليبلغ الذروة عام 2036 حوالي (2.2) مليار قدم مكعبة قياسية يومياً من غاز البيع.
وطبقا لإعلان أرامكو فإن عملاق الغاز قادر على إنتاج 425 مليون قدم مكعبة قياسية من غاز الإيثان يومياً، تمثل حوالي 40 في المائة من الإنتاج الحالي، إضافة إلى إنتاج حوالي 550 ألف برميل يومياً من سوائل الغاز والمكثفات اللازمة للصناعات البتروكيماوية.
وهنا تبرز أهمية هذا الحقل أكبر حقل للغاز المصاحب يتم اكتشافه في المملكة، وبذا فإن الحقل يمثل إضافة كبيرة توضح لنا صورة جديدة لمستقبل صناعة الطاقة في بلاد الحرمين الشريفين التي وعدها الله جلّت قدرته بالخير العميم {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (62) سورة العنكبوت.
والمتتبع لمسيرة تطور قطاع الطاقة في المملكة يدرك أن تطوير هذا الحقل جاء في الوقت المناسب تطبيقاً لرؤية الدولة المستقبلية التي تحافظ على مخزونات البلاد من احتياطي النفط للأجيال القادمة، وفي نفس الوقت تدعم اقتصاد المملكة بتنويع مصادره.
ولهذا فإن تدشين هذا المشروع سيعزز من قدرات البلاد في إنتاج البتروكيماويات التي تعتبر سابك في مقدمة الشركات في مجالها، وهذا المشروع سيحقق قفزة كبيرة لأرامكو في هذه الصناعة بعد أن استحوذت على 70 في المائة من أسهم سابك وستصبح مركزاً عالمياً في هذا الميدان بسبب هذا المشروع.
لماذا؟ لأن الغاز المنتج من هذا الحقل يعد في علم الطاقة أفضل أنواع الغاز لصناعة البتروكيماويات إذ إنه من أنواع الغاز الرطب يمثل قيمة مضافة في هذه الصناعة، وبذا ينفرد عملاق الطاقة (أرامكو) بهذه الميزة الفريدة التي ستضاعف من مكانة الشركة في ميدان صناعة النفط والغاز.
لا شك أن هذا الحقل سيوفر للمملكة مورداً اقتصادياً جديداً إلى جانب مكانتها العالمية في النفط باعتبارها قائدة العالم في هذه السلعة (النفط) أغلى وأهم سلعة عرفها التاريخ الإنساني، واحتضان أرامكو لحقل الجافورة يحقق أحد أهم أهداف التحول الاقتصادي السعودي طبقاً لإستراتيجيات الرؤية التي تركز على تقليل الاعتماد على مورد واحد (كالنفط) والتوسع في مشروعات الغاز الطبيعي وموارد الطاقة الأخرى خاصة صديقة البيئة منها.
والمستقبل.. وهو بيد الله يبشر بالخير كما هو الحاضر فأرامكو وضعت خططها وإستراتيجياتها لتنفيذها خطوة تلو الأخرى لإنتاج الغاز خلال السنوات القادمة حتى يكتمل خلال تطوير الحقل وبلوغ ذروة إنتاجه الكبيرة ليدر عائداً سنوياً يبلغ (8.6) مليار دولار، ليمثل إضافة ذات قوة مالية كبيرة لقيمة أرامكو التي طرح (1.5) في المائة من أسهمها للاكتتاب المحلي.
المملكة بقدرة الله ستصبح الرقم العالمي الذي لا يمكن تجاوزه في إنتاج النفط والغاز..
إنها أمن واستقرار العالم في الطاقة.. وعدها الله وأهلها بكل الخيرات..
مزيدا من التقدم والنماء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي لبلاد الحرمين الشريفين.
قال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (126) سورة البقرة.