لا شك أن كتاب (مختصر شواذ القراءات لابن خالويه)، أحد الكتب التي عني برجشتراسر بتحقيقها، وقد كان برجشتراسر يعنى عناية خاصة بالقرآن الكريم، فكانت رسالته للدكتوراه عن حروف النفي في القرآن الكريم، ونشرها في ليبزج عام 1911م، ثم كانت رسالته للأستاذية بعنوان ( معجم قرّاء القرآن وتراجمهم). وكان له نشاط ملحوظ، في جمع المصادر الخاصة بالقرآن الكريم، وعلومه، وضبط قراءته، ونشر النصوص الأصيلة في ذلك( ).
وقد عني بنشر الثراث العربي ونقد النصوص، ووضع خلاصة فكره في محاضراته التي ألقاها بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم نشرت في كتاب (أصول نقد النصوص ونشر الكتب) بعناية البكري، ومن أبرز كتب التراث التي حققها كتاب ابن خالويه (مختصر في شواذ القرآن)، وسوف تقف هذه الدراسة على منهج برجشتراسر في تحقيقه للكتاب، وتعرض لذلك من خلال الموضوعات التالية:
أولاً: سيرة المحقق برجشتراسر.
ثانياً: كتاب مختصر في شواذ القراءات.
ثالثاً: منهج برجشتراسر في التحقيق.
أولاً: المحقق برجشتراسر، نموذجًا لأعمال المستشرقين في التحقيق.
لا يستَطِيع منصف جحد جهود المستشرقين في نفض الغبار عن كثير من تراثنا النادر الثَّمِين، ولا إنكار ما أصّلوه وأدخلوه في فن تحقيق النُّصوص، فنشرُوا عيونًا ثمينةً من عُيون التُّراث العربي قبل أنْ تظهر في الشرق العربي بعشرات السنين، في أمانةٍ علميَّة دقيقة اقتبَسُوها من أسلافنا مقرونة بعناية خاصَّة بالفهارس الفنيَّة( ). ومن هؤلاء المستشرق الألماني برجشتراسر، وقد اشتهر بوضعه كتاب التطور النحوي، ونقد النصوص ونشر الكتب، وتحقيقه للتراث العربي.
برجشتراسر: ( 1886- 1933م):
اسمه جوتهلف برك شتريزر، مستشرق ألماني، كان أبوه وجدّه من قساوسة البرتستانت في مدينة بلون بألمانيا، أخذ العربية عن أوجست فيشر، وقام برحلة إلى الشرق، فزار الأناضول وسورية وفلسطين ومصر، وألقى في أوائل الحرب العالمية الأولى محاضرات في جامعة الآستانة، ثم في جامعات ألمانيا، في العلوم الإسلامية واللغات السامية، ودرّس في مدينة ميونيخ إلى أن توفي مترديًا من قمة جبل من جبال الألب»( ).
ومن أبرز آثاره: (حروف النفي في القرآن)، وهي رسالته للدكتوراه، و(معجم قرّاء القرآن وتراجمهم)، وهي رسالته للأستاذية، ونشر كتاب (اللامات) لأبي الحسين الهمذاني الرازي، وحقق القراءات الشاذة في كتاب (المحتسب) لابن جني، وبمعاونة بريتسل حقق (مختصر شواذ القراءات) لابن خالويه، و(غاية النهاية في طبقات القرّاء) للجزري( ). وله كتاب ( التطور النحوي) الذي نشره رمضان عبد التواب.
و(مختصر شواذ القراءات) لابن خالويه هو الكتاب الذي تسعى هذه الدراسة للنظر في منهج برجشتراسر في تحقيقه، ومعرفة مدى التزام المحقق بالمنهج الذي رسمه للتحقيق في كتابه (أصول نقد النصوص ونشر الكتب)، ومما يثير العجب أن الكتاب حُقِّق بمعاونة بريستل، كما ذكر العقيقي في كتابه، والزركلي في الأعلام، ولم يثبت ذلك في مقدمة الكتاب.
ثانيًا: كتاب مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه.
من أشهر الكتب التي تتعلق بالقراءات الشاذّة، للنحوي الكبير أبي عبدالله الحسين بن أحمد بن حمدان بن خالويه، ولد ابن خالويه في همذان، وجاء بغداد طالبًا للعلم سنة 314ه، قرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ التفسير عن السيرافي، والحديث عن محمد العطار، وكان في النحو والأدب تلميذ ابن الأنباري وابن درير ونفطويه والمطرز، وبعد انتهاء دروسه في بغداد قصد مكة والمدينة، وكان مدرّس الحديث النبوي في المدينة وقتًا ما.
ألّف ابن خالويه كتبًا كثيرة عرض أسماء بعضها ابن النديم في كتاب (الفهرست)، ولكن لم يطبع منها إلا (كتاب ليس في كلام العرب) الذي طبع مرتين مرة بعناية المستشرق الفرنسي درنبورج سنة 1898م، ومرة في مصر باهتمام الشيخ الشنقيطي سنة 1337هـ.
ومن مصنفات ابن خالويه (شواذ القراءات)، ولا يخفى أن كتابه هذا في غاية الأهمية للغويين، وللباحثين في القراءات لسببين:
- أولهما أن ابن خالويه كان من جهة اللغة تلميذ ابن الأنباري صاحب كتاب (المصاحف).
- وكان من جهة القراءات تلميذ ابن مجاهد الإمام الكبير الذي أقنع الوزير ابن مقلة بأن يثبت قراءة القرّاء السبعة ويمنع ما عداها.
وكانت عادة ابن خالويه أن يهذب مصنفات مشايخه، كما فعل في كتابه المسمى بـ(شرح مقصورة ابن دريد)( ). وقد عني ب رجشتراسر بتحقيق هذا الكتاب، ولكنه مات قبل أن يخرج للنور، فكتب مقدمته، وعني بمراجعته آرثر جفري؛ لذلك قد يكون منهج المحقق غير واضح في مقدمة الكتاب، فلم يعثر آرثر جفري على مقدمة برجشتراسر، فكتب المقدمة ووضع فيها بعض الأمور، وسنرى ذلك في منهج التحقيق.
ثالثًا: منهج برجشتراسر في التحقيق.
يتمثل عمل المحقق في الكتاب بما يلي:
تحقيق اسم الكتاب:
عنوان الكتاب هو (مختصر في شواذ القرآن)، والصواب أن الكتاب (مختصر في شواذ القراءات)، وربّما هذا ما أثبته الناشر ( ).
المقدمة:
توفي برجشتراسر قبل أن يكتب مقدمة كتابه الذي عني بنشره، فكتبها تلميذه آرثر جفري، وقد ذكر فيها أن برجشتراسر عني بالبحث عن تاريخ النص القرآني في أصوله التي كان فيها في الرقاع واللخاف والعسب من عهد الخلفاء الراشدين لوقت ظهور المصاحف المطبوعة التي بين أيدينا، وكان يبحث في جميع الأطوار التي عرضت لجمع القرآن ويرتبها علميًا، فكان نشره لكتاب ابن خالويه عاملًا قويًا في هذا الترتيب، وقد ذكر آرثر في المقدمة:
- أنّ هذا البحث احتاج لمعاينة آثار المصاحف الكوفية القديمة التي بقيت من القرون الماضية.
- جمع القراءات الشاذة والمتواترة.
- المصنفات التي عنيت بالقراءات، مثل كشاف الزمخشري، والبحر المحيط لأبي حيان، والمحتسب لابن جني، ثم وقف على كتاب ابن خالويه موضع الدراسة، وذكر أهميته في علم القراءات.
عرض بعد ذلك لسيرة المؤلف ابن خالويه، وحياته العلمية، وتنقلاته، وأهم مؤلفاته.
ثمّ ذكر النسختين التي اعتمدهما برجشتراسر في إثبات النص: إحداهما من إستانبول (مشار إليها بعلامة آ). والثانية من مصر (مشار إليها بعلامة ب)، وكلا النسختين ممتلئتين غلطًا من إهمال الكاتبين؛ لذلك كان إثبات النص صعبًا، ولم يذكر في المقدمة وصفًا للمخطوطة سوى ذلك( ).
المتن:
ترتيب الكتاب: الكتاب يبحث في شواذّ القراءات، لذلك فهو مرتّب حسب سور القرآن الكريم، ويقع الكتاب في 376 صفحة، مرتب من سورة الفاتحة إلى الناس.
... ... ...
تحقيق برجشتراسر (دراسة في منهج المحقق)
** **
- خلود بنت عبدالله إبراهيم النازل