أَماناتُ كُلِّ الأرْضِ تُخْتَانُ جَهْرَةً
ويُنْذِرُنا القُطْبانِ، والجدبُ، والحربُ!
مَدائِنُ لا تَزدادُ إلا مَهالِكاً،
ولا نُورَ؛ فالإنسانُ ذاوٍ، بِها يَخْبو!
وأَوْساخُنا فاضَتْ فَضاءً يُحِيطُنا،
وكم يُفْسِدُ الفاني ادَّعَى أنه الرَّبُّ!
سَحِيقٌ مُرُوقُ النَّفْسِ؛ إِنْ أُسْلِمَتْ إِلى
مَهاوي تَدَسِّيها، فكُلُّ الخُطَى رُعْبُ!
ومُظْلِمَةٌ، في سُرعةِ الضوءِ كَسْبُها،
ولكنَّهُ ضَوْءٌ تُشَبُّ بهِ الحَرْبُ!
تُراكِمُ مَعْنَى المَوْتِ في كُلِّ خطْوَةٍ،
هُداها عَقيمٌ، والضَّلالُ بِها خِصْبُ!
حَوَالِكُ، والإنْسانُ فِيها سَجينُها
وسَجَّانُها؛ في قَيْدِهِ، ذاهِلاً، يَكْبُو!
ويَنْسِجُها راناً على القلبِ؛ فالمَدَى
حياةٌ بِلا مَعْنى! ورَكْضٌ، ولا دَرْبُ!
رُكامٌ مِنَ الأَشْياءِ، والمُقْتَنِي لَها
أَسيرٌ، بِها يَشْقَى، إلى وَهْمِها يَصْبُو
عَلَى مَطَرِ الإغواءِ تَقتاتُ ذاتُهُ؛
فتَيْبَسَ فيه الروحُ، إذْ يَغْلِبُ الذئبُ!
وقابيلُ، بالآلاتِ، فاقَ شبيهَهُ؛
ضَحاياهُ فِي غَمْضٍ -إذا أُطلِقَتْ- شَعْبُ!
وفي كُلِّ آفاقِ المساراتِ تِيهُهُ؛
هُوِيٌّ بِلا قاعٍ، كأنَّ المَدى جُبُّ!
فَهَلْ تَحْذِقُ الآلاتُ ما لُقِّنَتْ بِهِ!
فيَرْتاعَ في المستقبلِ القادِمِ الرُّعْبُ!
ومِن قوسِها المَشْدودِ بالكِبْرِ والهَوَى
ستَهْوِي سِهامٌ، تُحْرِقُ الكُلَّ، لا تَنبو؟!
أَمِ الناسُ، بَعْدَ القاعِ، قدْ تَهْتَدِي إلى
لِباسٍ، بهِ للروحِ رُوحٌ، لها تَصْبو!
فَيُبتَعَثَ الإنسانُ، من بَعْدِ مَوتِهِ،
ويَخضَرَّ فيه الهَدْيُ، والعَدْلُ، والحُبُّ!
أَلَا فَاطَّلِبْ مَعْنىً، يَفِيضُ تَخَلّقاً
يُرَقَّى إِليهِ، إنْ تَرَقَّى لَهُ، الّلبُّ
وفوقَ نِطاقِ العقلِ، أَعْلَى تَعَقُّلاً،
معارِفُ للأرواحِ، يُمْنَحُها الصَّبُّ
إذا أَشْرَقَتْ فَاضَتْ عُيُونَ بصيرةٍ،
وكمْ مُبْصِرٍ أَعمى؛ إذا عَمِيَ القَلْبُ!
ومَنْ رامَها، دُونَ ارْتَقاءٍ بِكُلِّهِ
لَها، لمْ تُنِلْهُ، غَيْرَ نِيرانِها، الشُّهْبُ!
إذا ازْدادت الأنوارُ زادَ ظلامُهُ!
وإنْ لاحَت الآياتُ حَلَّ بِهِ الكَرْبُ!
وهَلْ مَنْ أَتاها لاقْتِباسٍ، كَمَنْ سَرَى
يَرُومُ اخْتِلاساً؟! ساءَ ما حازَهُ الخِبُّ!
يَرَى ظاهِراً، في سَجْنِهِ مُوْكَلٌ لَهُ!
وهلْ يُبْصِرُ الآياتِ مَنْ خَصْمُهُ الغَيْبُ؟!
يُزادُ عَمَىً ما أَشْرَقَتْ شَمْسُ آيَةٍ،
وتَرْقَى لها رُوحٌ، تَرَقَّى بِها القُرْبُ!
فذو اللُّبِّ وَضَّاءٌ، لَهُ اللُّبُّ كُلُّهُ،
وفَوقَ رُسومِ الفَهْمِ فَهْمٌ لَهُ رَحْبُ!
سيَعْقُبُ هذا التيهَ إِنسانُ فِطْرةٍ
فمُؤْتَمَناً يَحْيَا، وتَحْيا بِهِ الكُتْبُ
** **
- تركي الزميلي