ألف أحد الكتاب الروس؛ واسمه «غوغل»؛ في زمن القيصرية هناك؛ قصّة قصيرة بعنوان «المعطف». وهي تحكي قصة رجل في منتصف العمر؛ ليس لديه عائلة؛ ويعمل ناسخاً. كانت متعته الوحيدة هي كيف ينسخ المكتوب بحرفية، دون أن يضيع حرفاً أو نقطة أو فاصلة، ولا يبتغي في دنياه أكثر من ذلك.
أخبره خياط المعاطف أن معطفه أصبح بالياً ولا يمكن إصلاحه بعد الآن، ويجب أن يخيط معطفاً جديداً وإلا سيموت من البرد الروسي القارص. فانتظر الصيف وباع معطفه القديم واستحصل على «سلفة مالية» من عمله. ثم جمع كل ما استطاع استقطاعه من راتبه الضئيل، وفي نهاية الصيف حصل على «معطف جديد». وعندما حل الشتاء لبس ذلك المعطف وذهب فخوراً لعمله الروتيني. وبعد انصرافه من العمل ذلك اليوم، تجمع حوله مجموعة من اللصوص فقتلوه وسرقوا معطفه.
قصة غوغل هذه تحمل عدّة أبعاد- وهي:
أولاً- حطم غوغل السياق التقليدي في الأدب الروسي، الذي لا يتحدث إلا عن الطبقة الأرستقراطية، وكأن عامة الناس ليسوا بشراً.
ثانياً- مغزى القصة هو أن هذا الانسان ليس لديه طموحات أو أحلام وردية، جل ما يريده هو الاستمرار بالحياة. وعندما حقق خطوة بسيطة تبقيه على قيد الحياة قُتِلْ.
ثالثاً- أراد غوغل أن يقول: أن لا أحد يستطيع أن يحيا لوحده وبشروطه هو، إنما كل فرد ينتمي إلى مجتمع، ولا يمكنه العيش إلا بشروط ذلك المجتمع.
وقد قتل غوغل بعد تأليفه هذه القصة في ظروف غامضة. ولكن الأديب الروسي الشهير «ليف تولستوي»، عندما كان يتحدث عن نفسه وعن الأدباء الروس من معاصريه قال: «كلنا خرجنا من معطف غوغل». وذلك لأن غوغل فتح أعين الأدباء الروس على الفن الحقيقي، الذي لا يهتم بجمال الشكل وحسب، إنما بجمال المضمون أولاً وهو الأهم. ولكنني أتساءل: لو عاش «غوغل» حتى عصرنا هذا فهل يستطيع اخراج البشرية كلها من المعطف؟ وكم غوغل نحتاج نحن للخروج من العنصرية والمذهبية والطائفية والحروب العبثية؛ وأولها الحروب البيولوجية؛ كإيبولا والسارز وكرونا وغيرها؟ أعتقد أن الذي يدعي الحياد في عصرنا، كمن يوصم نفسه بالعار!
** **
- عادل العلي