عبدالوهاب الفايز
كسعودي أسعدني أن أرى البيان الختامي للملتقى الإقليمي حول التربية على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة (من النظرية إلى التطبيق) الذي نظمه مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، ومركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم مساء (الثلاثاء 24 - 6 - 1441 هـ)، أسعدني أن يحمل (إعلان الرياض)، وشارك فيه مختصون يمثلون مكتب التربية العربي لدول الخليج، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في الرياض، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للحوار بين اتباع الأديان والثقافات، ومركز آسيا والمحيط الهادئ للتعليم من أجل التفاهم الدولي.
مع هؤلاء الخبراء والمختصين بالتربية، نتطلع أن نرى المشروعات والمبادرات التي دعا لها المشاركون تتحقق (لنشر ثقافة التسامح وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة)، ومن يعرف حقيقة بلادنا لن يستغرب تبني هذا البيان، فقيادة بلادنا دائمًا في مقدمة الداعمين لهذا الجهد الإنساني منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله-، الذي وضع التسامح والإيمان بالقيم الإنسانية المشتركة أحد منطلقات ومرتكزات بناء الوحدة الوطنية التي نجني ثمارها الآن.
البيان الذي ألقاه د.عبدالرحمن المديرس المدير العام لمركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم، (وإحدى القيادات التربوية السعودية الذي كرس جهده لجودة التعليم)، دعا إلى ضرورة تأمين الدعم والمساندة على الصعيدين الإقليمي والوطني لكسب المزيد من التأييد لنشر مضامين مفاهيم المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة وتعزيز أثرها على نواتج التعلّم.
هذا الملتقى، بما أقره من مبادرات، يضع قيادات التعليم في العالم العربي أمام مسؤوليات جديدة، فنحن نتطلع إلى رؤية جهدهم لتبني ودعم وتحقيق معززات ومقومات (المواطنة الصالحة)، لأنها هي التي تنتج (المواطن الصالح)، الذي يساعد (الحكومة الصالحة). تكريس مقومات المواطنة القائمة على (العدل واحترام الحقوق الأساسية) أفضل وسيلة لأخذ المجتمعات العربية إلى حقبة جديدة يكون فيها المواطن هو حائط الصد الأول الذي يذود عن كيانه واستقراره. الأجيال الشابة والصغيرة في العالم العربي (70 في المائة تحت سن الثلاثين) تقدم فرصة لبناء المواطن الصالح الذي يتبنى القيم الإنسانية المشتركة التي يقوم عليها التعايش والتعاون بين البشر.
التعليم هو وسيلة العالم العربي الأساسية لصياغة متطلبات الأجيال المقبلة، وبيان الرياض وضع الاهتمام بالتعليم يتقدم (الأهداف الرئيسة للتنمية المستدامة) لكونه (القوة التحويلية الكبرى التي تبني المهارات وتنشر الوعي وترشدنا نحو مستقبل مشترك). أزمة وباء الكورونا الذي نمر بها الآن تذكرنا بأهمية بناء المواطن الذي يستشعر دوره العالمي، وهذا الجانب تضمنه البيان، فالتعليم له (دور حاسم في النهوض بالمعارف والقيم والمهارات التي نحتاج إلى تنميتها في مجال تعزيز المواطنة المحلية والعالمية المسؤولة عن التعايش في عالم سريع التغير).
في إطار تحقيق أهداف التربية المستدامة، أشار البيان إلى أهمية دور المعلم الذي يحتاج معرفة كيف يُعلم (مهارات القرن الواحد والعشرين)، وهذا يتطلب (تمكين المتعلمين من العمل باتجاه التوصل إلى عالم أكثر سلمًا وعدلاً وشمولية واستدامة)، مشيرين إلى أن تربية الأجيال المقبلة على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة هو لأجل (تشكيل قوة بناء معرفي ومهاري وقيمي وسلوكي يحتاجها المتعلمون ليتمكنوا من الإسهام في عالمٍ أكثر اندماجًا واحترامًا وعدلاً وسلامًا ليحقق التفاهم الدولي).
وجاء في بيان الرياض التأكيد على أهمية (المناهج الدراسية)، فهذه تحدد (المعارف والقيم والمهارات التي ينبغي اكتسابها وتعلّمها)، ودعا البيان القيادات التعليمية، إلى دمج (التربية على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة ومفاهيم وفوائد التعايش والتسامح، في المناهج الدراسية حسب سياق كل دولة وحسب أنظمتها). بما يتطلب ذلك من مراجعة للمناهج الوطنية القائمة، واستعراضها وتحديد الفرص والفجوات الموجودة.
وحتى تنجح هذه المشروعات تم التأكيد على ضرورة تبني (النهج التشاركي) في صياغة المناهج الدراسية، أي مشاركة جميع الجهات المعنية بتطوير السياسات التربوية، والمناهج الدراسية، وأيضًا تبني (النهج الشمولي) الذي يقوم على إدماج التربية على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة في جميع المواد الدراسية.
(بيان الرياض) وثيقة تربوية تضمنت جوانب مهمة نتمنى تنفيذها، ومع الأسف أنه مر على إعلامنا بهدوء.. كما تمر أشياء مهمة عديدة!