نوف السمرقندي
عندما يتعلق الأمر بقلب النظم الكونية يأتي الجزاء من جنس العمل، كما في حادثة قوم سيدنا لوط - عليه السلام - الشهيرة، حيث أمر الله جبريل بقلب الأرض عليهم، ليس لأنهم عصوا الله ورسوله وحسب، بل لأنهم اجترؤوا على نظام كوني وفطري, وقلبوا الأمور وفق أهوائهم، وأتوا بالفاحشة التي لم يأتِ بها أحدٌ من العالمين قبلهم.
لعل ما دفعني إلى كتابة ذلك كمية الاجتراحات الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تسربت بشكل كبير من الواقع الافتراضي إلى الواقع المادي، وأدت إلى اختلال القيم الفطرية الأصيلة في الإنسان وسلبها بطريقة غير محسوسة.
فعندما تعتاد النظر إلى صور جارحة للنظر، وخادشة للحياء بقصد الدعاية والإعلان بشكل مستمر ومكثف، يتم سلب القيمة منك دون أن تشعر, وعندما تعتاد على المشهد الشاذ يصبح مسألة مسلَّماً بها واعتيادية, وعندما تنقلب موازين الحكمة ويصبح السائد هو التهريج، والاستهتار بعقول الناس، وعندما تصبح الجماهيرية الغاشمة تفرض عليك قناعاتها الفارغة وتجبرك على الرضوخ، يصبح هناك انقلاب على النظم الإنسانية، وكل انقلاب يعقبه سلب لفضيلة، وإذا نظرت إلى كل تلك الممارسات تجدها مورست من قبل أشخاص ليسوا على قدر من العلم ولا من الحياء؛ لأن الحياء خلق داخلي مانعٌ لصاحبه من الاجتراح في النور والظلام.
ولعل ما مكَّنهم هو التخفي المستعار خلف الشاشات وإطلاق ذات اليد بكل جارحة، جعل البعض منهم يظنون أنهم يقتعدون المراكز العليا من العالم !! تجرحوا حتى اجترؤوا على كل فضيلة، وخاصة إذا كان خلفهم آلة نفخ تحرك الريح العقيم من تحتهم ومن فوقهم، والآلية المستخدمة هنا هي قوانين الاعتياد!! فعندما يتم سلب قيمة كالحياء من كل الفئات كيف يكون المحتوى الإنساني والتكوين الطبيعي للفطرة المجبولة على المكارم؟!
ما أقوله ليس مجرد شعارات إصلاحية، إنما قوانين كونية الالتزام بها يعنى بقاء المحتوى الإنساني في شكله الصحيح، ليصبح التعايش فيما بيننا أكثر انسيابية، وسلاماً في كل مناحي الحياة، لذلك فإن انهيار هذه الفضيلة «الحياء» بقانون الاعتياد هو انهيار لكل قيمة وتعامل إنساني، وانهيار الأسس المبني عليها مجموعة الفضائل الكبرى.
أصبحنا ندرك الخطر كشيء يغرس مخالبه في جلد حياتنا ويتعمق أكثر فأكثر حتى يتمزق إلى أشلاء، فتصبح القيم الفطرية مجرد أشلاء كان يُنادى بها في يوم ما.. في هذه الحالة أننتظر العقاب أم يكفينا ما نلناه منه؟!
لقد قلب الواقع الافتراضي الواقع المادي وخسف به الأرض وقلب منظومة الإنسان، فهل نتدارك ما بقي بشيء من الفضيلة، أقلها توعية أنفسنا بعدم التعدي على النفس بالنظر إلى محرم، وتوعية أجيالنا بمعنى قيمة الانضباط النفسي على النفس وكيف نحميها من السلب.