محمد آل الشيخ
عندما أعلنت إيران في البداية عن إصابة بعض مواطنيها بفيروس كورونا لم أصدق الخبر، واعتبرته خطة لتخويف المتظاهرين، وإلزامهم بالبقاء في منازلهم، فقد عودتنا هذه الدولة على الكذب والتدليس وعدم المصداقية، مثلما فعلوا في حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية مثلاً؛ إلا أن الأيام أثبتت أنها بالفعل متورطة حتى النخاع في وباء كورونا، وأن هذا الفيروس يجتاح كل محافظاتها، وهي لذلك تمر بمأزق خطير لا تدري كيف تخرج منه، وتتعامل مع تبعاته؛ غير أن الأرقام التي يعلنها الإيرانيون عن المصابين والمتوفين بهذا الوباء لا يبدو أنها تعكس حقيقة انتشاره، فهذه الجائحة يظهر أنها وصلت إلى الطبقة الحاكمة، التي يفترض أن يكون تحصينها الصحي أفضل من بقية الشعب المغلوب على أمره، خاصة من الفقراء والمحتاجين والطبقات المسحوقة، التي تمثل في إيران نصف عدد التشكيلة الديموغرافية.
إيران هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى معرض نظامها الاقتصادي للانهيار، فالعقوبات الأمريكية تخنقها، وتدني النشاط الاقتصادي في الداخل يزيد أوضاعها اختناقًا، أما ما يتعلق بالإجراءات الحكومية لحصار الوباء، فلا يبدو أنهم استطاعوا السيطرة عليه، لا سيما وأن من أهم إجراءات محاصرته منع الزوار الشيعة من التجمعات وممارسة طقوسهم عند عتباتهم وأضرحتهم المقدسة وتقبيلها والتمسح بها، لأن هذا المنع - كما يقول أحد المحللين - من شأنه أن يُجيش عليهم سدنة هذه العتبات، الذين يستفيدون منها ماليًا، ما يجعلهم لو أغلقت هذه العتبات ينضمون إلى معارضين شرسين ومؤثرين ضد النظام، الذي يدبَّ فيه التصدع أكثر من أي وقت مضى، ومعارضيه يتكاثرون يومًا بعد يوم، خاصة وهم يرون الارتباك والتورط يسيطر على المشهد داخل إيران.
ولأن إيران منذ أربعة عقود وهي (ثورة) وتصر عليها، وليست (دولة) وتنأى بنفسها عنها، ولأن مسؤوليها ثوار وليسوا رجال دولة، فالوضع في إيران سيتدهور أكثر وأكثر، بل ربما يكون الفشل في التعامل مع هذا الفيروس وعدم القدرة على تطويقه وحصار انتشاره سببًا في التعجيل بانفراط العقد الاجتماعي للدولة، وتفككها على غرار ما حصل ليوغسلافيا والاتحاد السوفييتي.
ويبدو أن هذا الوباء سريع الانتشار قد داهمهم على حين غرة، ولم يتعاملوا معه بمهنية، بحصار بؤره وعزلها منذ البداية، أضف إلى ذلك أن أغلب مردودات الحكومة المالية لا تصرف على تطوير البنى الخدماتية، ومنها البنية الصحية، بالقدر الذي يُبعثر على متطلبات توسعاتهم خارج إيران؛ كل هذه العوامل من أهم أسباب تفشي الكورونا، وعجز السلطات الصحية من السيطرة عليه. وإذا أخذنا في الاعتبار أن جميع المصابين بالكورونا في دول الخليج ولبنان جاؤوا من إيران، فإن ذلك مؤشر كافٍ يدل على أن الإصابات المؤكدة في إيران أضعاف ما تم الإعلان عنه. كما أن انخفاض أصوات المجعجعين والمهايطين الإيرانيين قد خفت بشكل كبير عمّا كنت عليه، مما يوحي أن القوم مشغولون بأنفسهم، وبهذه (الطامة) التي لم يكونوا مستعدين لاستقبالها والتعامل معها. وفي تقديري أن هذا الوباء سينتشر انتشار النار في الهشيم مستقبلاً، وقطعًا سيكون له تبعات خطيرة لا يعلم إلا الله إلى أين ستصل نهاياتها بدولة الملالي.
إلى اللقاء