رمضان جريدي العنزي
الصحبة علاقة اجتماعية مهمة تربط بين شخصين أو أكثر، على أساس الثقة والوفاء والمحبة والمودة والمسرة، فيها مشاعر متبادلة، وإيجابيات مميزة، وصدق حاضر قوي ومتين، فيها أمانة واحترام متبادل، وتعرف أيضاً باسم الرفقة أو الصداقة. إن الصحبة الحقيقية هي نكهة الحياة، ولها طعم وقيمة ومعنى، وهي تفاعل روحي وعقلي بامتياز، وهي ملح الحياة وشهدها، للصحبة الحقيقية جمالها ورونقها ونكهتها الخاصة، كونها علاقة مودة صادقة ومحبة وإخلاص وعطف ولين، والصاحب الحقيقي مثل بستان فسيح وثماره يانعة، نهر من الحب والود والتضحية والإيثار، يتميّز بالطهارة والبياض والنقاء ورقي الوجدان وحسن المعشر، والصاحب الحقيقي هو الملاذ الآمن، والسياج الحامي، والمدافع حين الغياب، والحاضر الدائم في وقت الشدة والحاجة، يقول الإمام الشافعي:
أُحِبُّ مِنَ الإِخوان كُلَّ مُواتي
وَكُلَّ غَضيضِ الطَرفِ عَن عَثَراتي
يُوافِقُني في كُلِّ أَمرٍ أُريدُهُ
وَيَحفَظُني حَيّاً وَبَعدَ مَماتي
فَمَن لي بِهَذا لَيتَ أَنّي أَصَبتُهُ
لَقاسَمتُهُ ما لي مِنَ الحَسَناتِ
تَصَفَّحتُ إِخواني فَكانَ أَقَلَّهُم
عَلى كَثرَةِ الإِخوانِ أَهلُ ثِقاتي
إن الصحبة الحقيقية هي التي تدوم وتستمر وتستقر، مع توافر قدر من التوافق والتماثل فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات والاهتمامات، وللصداقة الحقيقة خصائص وسمات مشتركة بين الأصحاب كتقبل الطرفين أو أكثر لبعضهما البعض، والثقة والاحترام وفهم الشخصية والتلقائية والدفاع والحمية والبعد عن التمثيل والاصطناع ولبس الأقنعة. إن امتلاك صاحب جيد يعتبر ثروة حقيقية، لأنه يعينك على ذاتك، ويصوِّب هفواتك وأخطاءك، والصاحب الحقيقي مثل الصحة، لا تعرف قيمتها إلا عند فقدها، يقول المتنبي:
أصادق نفس المرء من قبل جسمِه
وأعرفها في فعله والتكلمِ
وأحلم عن خلّي وأعلم أنه
متى أجزه حلمًا على الجهلِ يندمِ
تكون الصحبة الحقيقية في أوجها عندما تتوافر فيها أسس المحبة والإخاء والفضيلة والتفاني والإخلاص، وهي تشابه خلق، واتحاد وجدان، ونقاء ضمير، والصاحب الحقيقي هو الذي يفرح لفرحك، ويتألم لحزنك، ويجعلك جزءاً مهماً من حياته، يؤثرك على نفسه ويؤازرك، ويتعاهد معك على الحق، ويتواصى معك على الخير والفضيلة، لا يكلفك أكثر مما تتحمَّل، ولا يحمل عليك من سوء قيد أنملة، ولا يثقل عليك بشيء، ولا يحب إلا أن يراك فرحاً سعيداً، ويسعى في مصلحتك كأنه يسعى لنفسه، ويكون لك خير مساعد ومعين، وخير من يخفف عنك هموم الحياة، إن الصحبة الحقيقة تكون مبنية على الاحترام التام، والتقدير العالي، والتسامح الكبير، بعيداً عن اللوم والعتاب والانتقاد الدائم، إن الصاحب الحقيقي غالباً ما يكون معدنه ثميناً، وجيناته نادرة، لا يخذلك، ولا يتخلَّى عنك، ثابتاً في مواقفه وقيمه وأخلاقه، وينبذ الخيانة والغدر، وكما يختلف الذهب عن النحاس، والفضة عن الألماس، شكلاً ولوناً ولمعاناً وثمناً وصلابةً وكثافةً، كذلك تتباين الصحبة وتختلف. إن الصحبة الحقيقة تأتي وتنشأ طوعاً، هكذا من غير عقد ولا معاهدة، وهي ليست بالكثرة الكاثرة، ولا بالعدد المهول، بل ثروة لا تقدَّر بثمن. إن كل شيء يأتي خارج نطاق الحب والاحترام والتقدير يعتبر ميتاً، وكذلك الصحبة الحقيقية، عندما تولد ميتة تصبح ميتة. إن أجمل علاقة في الحياة هي الصحبة الحقيقة المبنية على أسس قوية من الإيثار والحب والوفاء، يقول محمد الأحمد السديري:
ورفيقك المامون حطه على البال
وأذره اليا جن الليالي شلاهيب
اجعل بقلبك له محل ومدهال
تلقاه ذخر بمعضلات المواجيب
وقال أيضاً:
أنادم اللي رفقته ترفع الراس
وياقف معي دايم بوجه الخصيمي
ان كبرت القالة والأرياق يباس
يضيم عدوانه ولا يستضيمي