م. بدر بن ناصر الحمدان
قائمة «الأمنيات العمرانية» في بُعدها العملي، تعتمد وبشكل رئيس على «الواقعية» وفهم ما يحتاجه الناس والاستجابة لمتطلباتهم والاهتمام بتفاصيل بيئتهم التي يعيشون في إطارها، والتركيز على التشغيل اليومي للمرافق وخطوط البنية التحتية، ومعالجة المشاكل التي قد يواجهها سكان المدينة ومساعدتهم في إيجاد الحلول وتمكينهم من الحصول على الخدمات بأيسر الطرق وأنجعها، فالمدن في أصلها نشأت من أجل الإنسان وهو هدفها الرئيس.
تركيز أمانة العاصمة الرياض مؤخراً على «النموذج الديناميكي» في نمط تقديم خدمات المدن، يمثِّل تغييراً إيجابياً في فلسفة التعامل مع هرم الأولويات البلدية، وسوف يؤسس إلى ثقافة بلدية جديدة مبنية على التوازن بين ما يجب القيام به الآن (مهام تشغيلية صغيرة ومتوسطة ذات تأثير عال قصير المدى على مستوى المناطق السكنية ومحيطها)، وما يمكن إنجازه مستقبلاً (مشاريع كبيرة ذات تأثير عال طويل المدى على مستوى المدينة)، ويدعم ذلك التطور الموازي في تركيبة الإدارة المحلية بوجود شركاء آخرين من الأجهزة الحكومية الأخرى والتي من شأنها أن تتولى مسؤوليات تخصصية وإستراتيجية تُساعد في إدارة المدينة حضرياً.
معايير تقييم أداء إدارة المدينة من وجهة نظر السكان المحليين تختلف عن معايير تقييم أدائها من زاوية المتخصصين سواء في الإدارة والعمران أو الجهات المعنية، حيث إن مجرد تمكين المواطن من الوصول المباشر للخدمة مثل (إصدار رخصة بناء، رخصة محل تجاري، نظافة الشارع المقابل للمنزل، مرور سيارة البلدية على حاوية النفايات في موعدها، رفع الأنقاض عن الساحة المقابلة لمسجد الحي، تنفيذ علامات الطرق أو فعالية دورية، إصلاح فانوس إنارة ... إلخ) قد تمنح العلامة الكاملة لمؤشر أداء الأمانة في نظر هؤلاء السكان مقابل مشاريع عملاقة قد لا تعني لهم شيئاً بصورة مباشرة - من وجهة نظرهم -، فالوزن النسبي هنا يخضع لمعادلة قياس مختلفة تماماً.
أنا هنا لا أقلِّل من أهمية العمل الإستراتيجي لتنمية المدينة، هذا مستوى آخر في إدارة المدن، وليس مجال حديثنا، ولكن ألفت الانتباه إلى أهمية تدرّج وظائف المدينة ومسؤولياتها وتلبية الاحتياج اليومي للساكن العادي الذي يهمه بالدرجة الأولى ما يحدث في نطاقه المباشر، لذلك فالتحول القائم حالياً في عقلية إدارة مدينة الرياض، يجعلنا كسكان وكمتخصصين أكثر تفاؤلاً بأن أمانتها تمضي في الاتجاه الصحيح، حيث الاهتمام بتلك التفاصيل التي تلامس وبشكل مباشر الدائرة الخاصة لساكن هذه المدينة على مستوى المجاورة السكنية أو الحي السكني.
النهج الجديد لأمانة الرياض، بتعزيز مستوى الاستجابة لهموم الناس، ووجودها في أروقة المدينة بهذا النموذج المنتشر، سيمكِّن السكان من الاستفادة القصوى من إمكاناتها ومقدراتها بشكل عملي، وهذا ما تُشير إليه ملامح التغيير التي يمكن رصدها في الفترة الحالية، الأهم من ذلك أن نجاح هذه التجربة يعتمد وبشكل كبير على التفاعل معها من قبل هؤلاء السكان، من أجل الوصول إلى مستوى احترافي في إدارة مدينة مليونية ضخمة مثل العاصمة الرياض، أنا واثق من ذلك.
جودة الحياة في أي مدينة تبدأ من جودة تفاصيلها الصغيرة.