د. خيرية السقاف
من طرائف مواقف الصغار أن صغيراً قال له والده: اجعل فمك نظيفاً دائماً،
وبعد أيام قليلة قام الصغير في الليل يجهش باكياً، متألماً.
هرع إلى حجرته والده، وأمه فزعين لقد نمت سليماً فما بالك تبكي
قبل أن يجيبهما كانت أمه تمسك بيده التي وضع قبضتها على فمه فظنته خائفاً أن يتكلم،..
أما أبوه فذهب يقول له: لا تخف، حلم عابر لعلك تنساه،
لكنه ظل يطبق باطن كفيه على صدغيه ويبكي..
وبعد محاولتهما إبعادهما عن وجهه، والإصغاء إليه قال: ألم شديد في فمي، حول أسناني..
حاولا تهدئته، بشتى الوسائل منها الماء البارد، والحليب المثلج، والمضمضة ونحوها حتى جاء الصباح، فذهبا به إلى الطبيب..
وبعد الكشف سأله الطبيب: هناك التهاب شديد في اللثة، ماذا كنت تأكل خلال الأيام الماضية؟
ثم تدرجت الأسئلة حتى بلغ الطفل في إجابته إلى السبب حين قال: كلما مرَّرت بالفرشاة على جانبي فمي شعرت بالألم الشديد: قال الطبيب إنك تحركها بقوة، قال: أبي وأمي قالا لي: اجعل فمك دائماً نظيفاً، ولا يكون نظيفاً إلا بالمعجون والفرشاة، آخذهما معي إلى المدرسة، وأستعملهما كلما أكلت، أو شربت عصيراً، أو علكت حلوى..
نظرا إليه بدهشة، قال أبوه: لم أكن أعني نظافة أسنانك، وإنما أقوالك يا بني، بحيث لا ينطق فمك إلا القول الطيب، والكلمة المهذَّبة تعبِّر بهما عن قلب نقي، ونيَّة صافية..
وذهبا به بعد حمل جملة من الأدوية التي تعالج لثته المحتقنة، المدماة، وهما يشرحان له كيف يكون نظيفاً لسانُه وهو يتكلم؟! ...
والأم تردد: ومن النظافة ما يجرح!
تيمُّناً بمن يقول: «من الصراحة وقاحة»!..
بينما الكلمة الطيبة لها أوجه، وصياغات، حتى نبرة الصوت الذي ينطقها يا بني..
تلك نظافة القلوب حين تتبدى في القول، ومن ثم في الفعل..
كانت آخر جملة قالها لولده ذلك الأب: يا بني: إن نظافة القلب تكون في نظافة القول،
أي انتقاء أحسن الكلام، والتعبير بأجمل الألفاظ..
وإن ما في قلبك يمر من فمك، فكن في مخبرك، ومظهرك نظيفاً على سواء!..
ذكَّرني هذا الموقف بمن يكتبون، أقلامهم ألسنتهم، تكتب ما في قلوبهم،
ويصلنا على أديم سطورهم..
فكم أولئك الذين يحرصون على نظافة أقلامهم قلوبهم بأفواههم أقلامهم؟!..