في إحصائيات متعاقبة ومفجعة بلغت حالات الطلاق في المملكة مبلغاً مخيفاً ومنغصا، إذ في بعض المناطق فاقت حالات الطلاق حالات الزواج، وهذا بالطبع دون حسبان لحالات الطلاق العاطفية والكامنة في بيوتات عديدة! .
ورغم أن حالات الطلاق المرصودة هذه لاتشمل المتزوجين في ذات الشهر أوالعام فقط إلا أنها تعد إحصائية مقلقة ومنذرة بخلل اجتماعي عميق وبيوت ستتكئ على السعادة المصطنعة والكاذبة، بينما تمورها الكآبة والغموم الحقيقية ومفاشل العلاقة مورا، خاصة إذا ماغابت وانقضت المؤثرات التي أسهمت بهشاشة العلاقة وأوهمت بغنى الطرفين عن بعضهما في ظل أثر الماديات في حميمية العلاقة وجفائها.
ومن خلال اطلاعي على كثير من محتقنات العلاقة بين الطرفين ومعايشتي لكثير من حالاتها وجدت أن الترف الأسري وتراجع دور الوالدين وتعاطفهما السلبي مع ابنهما أو ابنتهما أحد الأسباب الرئيسة في اضطراب العلاقة بين الزوجين وإحساسهما باستغناء كل واحد منهما عن الآخر، فعند أدنى خلاف يتكابر كل منهما على الآخر ويستعلي بالرأي والإصابة في تعذير بليد لفشل أحدهما أو كلاهما في إدارة مسؤولياته الزوجية والتعامل مع حياته الجديدة التي فشل الوالدان في تهيئتهما لها بسبب تدليلهما المبالغ فيه وعدم تربيتهما على تلك الحياة الجديدة منذ صغرهما، مكتفيان بتوجيهات مستهلكة له أو لها تسبق الزواج بيومين تمحوا أثرَها دموعُ الفراق العاطفية التي ماتلبث أن تتحول إلى دموع أسى وحرقة على فشل ابنتهما أو ابنهما في زواجه ونكوصه أو نكوصها إلى مخدع الترف في غرفتيهما الوثيرتين في بيت عائلة كل منهما، يجللهما خدمٌ وحشمٌ يستفومانهما الطعام! وهما غير عابئَين بذلك اليوم الذي سيأتي عليهما ويدفعان به ثمن تخليهما عن المسؤولية وتبطحهما وتسطحهما في بيت أبويهما الرعوي الذي حتماً سيحين الوقت الذي تنقطع فيه عنهما هذه الرعاية ويندمان -ولات حين مناص ومندم- على وحدتهما وتسكعهما مابين استراحة ومطعم ومقهى بينما أترابهما وأصدقاؤهما بنوا أسرهم وبيوتات هنائهم ومضوا طبيعيين في مجتمعهم وحياتهم.
ولعلي أهمس في مسمع كل أب وأم أن يتقوا الله في أبنائهم ويُقْصِروا يد العطاء ونعيم الترف عنهم، وأن يتذكروا أن البنات عندما كن يجتمعن في غرفة نوم واحدة ويشتغلن في مشاغل البيت والأسرة، والأبناء يجتمعون في غرفة نوم واحدة ويشتغلون في متطلبات البيت والأسرة كانوا ينتظرون الزواج بشغف كي ينعموا بالخصوصية وتقل عليهم المهام فضلاً عن اعتيادهم على تحمل المسؤولية والظروف.
بقي أن أشير إلا أن هذا ليس السبب كله في حالات الطلاق فمعه غلاء المهور وحفلات الزواج الباهظة ووسائل التواصل الاجتماعي ومافيها من تلهية ونعيم مزيف وحميمية كاذبة وبطر مدفوع، وغيرها لكنني وجدت هذا السبب مغفولا عنه إلا من قلة.. أدام الله على الجميع حياة الهناء والسعادة.
** **
- يوسف العوفي