سام الغُباري
ألصق «أمير الدين جحاف» تغريدتي في آخر صفحات كتابه الإليكتروني «رحلة خلف القضبان» مُعلِقًا أنها «تحريضية» و»عنصرية»!
«أمير» معتقل سابق لدى سلطات الأمن الحكومي في مدينة مارب اليمنية، كان في طريقه إلى القاهرة، حيث أوقفته نقطة تفتيش وذهبت به إلى السجن.
وفق مفهوم الحرب كان الشاب البالغ من العمر 30 عامًا ناشطًا رئيسيًا مع الحوثيين في تجمع الطلبة اليمنيين بالقاهرة، أسهم في تزويدهم بالمعارف والمعلومات المطلوبة منه لتدمير النظام الجمهوري وخدمة الانقلاب العنصري.
«أمير» الذي ينحدر من أسرة «تدّعي زورًا انتسابها إلى آل البيت»، ورغم خؤولته الأوكرانية إلا أنه ظل يحنو إلى عرقيته «المذهبية» التي فجّرت كل أسباب الصراع الطبقي والعرقي في اليمن.
في مشهد آخر ظهر «حنين قطينة» مضروبًا على قفاه وملدوغًا في حديث قبلي حضره الإرهابي «أبوعلي الحاكم» لتحكيمه فيما جرى من جرجرة له على شوارع صنعاء، تلك الصفعات التي نالت من فوضوي بدرجة «شيخ جديد» ساهمت في إلغاء حدته، وأسكنته رعبًا قوّض مساعيه في التنمر على الحوثيين وكانوا قد «استعملوه» في الإغارة على منزل «علي عبدالله صالح» مع حشد من أتباعه، ثم ما لبثوا أن وضعوا له قياسه وحددوا له علوه ونفيره بثلاث صفعات قاسيات أعادته إلى حجمه الطبيعي، فطفق يطوف بين القوم محذرًا من مخبري «بني أمية» الذين «نكثوا» حكم علي بن أبي طالب!
هذا الاجترار التاريخي لزمن الصراع الأموي/ العلوي فكرة مصغَّرة منقولة بحذافيرها في اليمن، حيث يسيطر على عبدالملك الحوثي هاجس جنون العظمة بأنه النسخة الجديدة من «علي بن أبي طالب»! يرى «معاوية» عصيًا على بيعته متسائلًا عن موقفه الغامض من استشهاد «ذو النورين». إلا أن ذلك الهاجس الجنوني لم يتوقف عند «علي»، فهذا أحد أقاربه يُقسِم على منبر رسمي بجامعة صنعاء أمام ثلة من الأكاديميين أن رسول الله لم يغب إلا بشخصه فقط، ومن أراد أن يرى النبي «عليه الصلاة والسلام» وحاشا مما قاله هذا المعتوه فلينظر إلى «عبدالملك الحوثي» - قبحه الله وأرنا فيه ما يستحق!
تلك ليست هفوة ساخرة من معتوه، بل رؤية دينية أساسية كافرة في صلب المبادئ الزيدية/ الهادوية التي جاء بها «يحيى طباطبا» المعروف بـ»الهادي» من طبرستان مؤسسًا لعقيدة أخرى وإسلام آخر لا ينص ضمن الانحراف عن الإسلام على مبادئ العدل والمساواة، حاضرًا وحاصرًا كل غنيمة وسلطة في قبضة عِرق واحد، من هذه المبادئ فتح والد «أمير الدين جحاف» زنازنه في مدينة «حجة» لتعذيب كل يمني لا يقر بولاية علوية على أرضه! نجله «أمير» ارتشف من كأس عذاب الاحتجاز، ولم يلبث أن خرج إلى أمه كي تقر عينها.
يهفو بعض اليمنيين من أتباع الحوثيين بحنان إلى كل من يدّعي نسبًا إلى العائلة النبوية المطهّرة، وإن كان له خال من أوكرانيا وجدّ طبري أبيض مشوب بحمرة، عيناه مثل قط إيرلندي تلتمعان بريقًا أزرق، إلا أن بعض قومي يرقون لهؤلاء بلا تفكير في كمية الجلود المنزوعة عن أجساد الخراف البريئة التي دوّن أمثالهم عليها «نسبًا زائفًا» يمنحهم ثراءً غير مشروع وسلطة فاسدة في الأرض.
لم نفكر كم تأذت تلك الحيوانات الأليفة من وراء خدعتهم ،ذُبِحت ليُنتفع بجلودها، ويؤفك فيها إفكًا يضج الزمان به ويخر المكان متداعيًا تحت وابل عبواتهم الناسفة، ولما حان الدور على جلود اليمانيين، يُهوّن بعضنا الأمر بـ»لا بأس» إن عُذِب اليمني، أما أن يُحجز ابن افتراضي منسوب كما يدّعون كذبًا فتلك غاية أمنيات «بني أمية»، وإذ يغمرك سؤال مثل: مالي ولبني أمية! تنحدر سبابة متوعدة من نافذة إليكترونية لتقول لك «كفى أيها الناصبي»! ولأنك يماني فقط تحاصرك أوصافهم الكيدية، ويطلب منك وهب كل شيء لعائلة لا تعترف بانتمائها إلى اليمن، ولا أدري أين يراد لليمنيين أن يذهبوا؟ إننا مازلنا بحاجة إلى إقرار حق اليمني في امتلاك شيء من الحق على أرضه، القليل فقط!
ما أردته لـ»أمير» يفوق أمنيتي ككاتب، كنت أتمنى أن يذهب لحظة عناقه لأمه إلى سجون الحوثيين الغليظة ليرى بعينيه حالات التعذيب المأساوية التي ضجت بها كتب المنظمات الحقوقية وآخرها تقرير فريق الخبراء الدولي، أن يترك الهراء عن اضطراره لأكل «الديدان» كي ينجو بحياته، فحالته الجسدية النضرة التي خرج عليها فتحت أسئلة عن نوع الغذاء الفاخر الذي كان يتناوله في سجنه ذي السبع نجوم.
كنت أرجو أن يصبح صوت «سلام» صادق لا يتعثر بسُلالته ولا يجتر من أعماقه رغبات التعليم العنصري الذي تلقاه عن عائلته، وأن يدرك جيدًا أن الظلم الذي ادعاه سواء كان حقيقة أو مضافاً إليه قد نال عشرات الآلاف من اليمنيين الذين اختطفوا من منازلهم وأخفتهم أقبية الحوثيين وأنضجت جلودهم بسياط تعذيب موثّقة بشهادات لا تكذب، كنت أتمنى أن يسأل سادته المجرمين: لم فعلتم كل هذا؟ ولماذا لا ننتصر جميعًا لروح الجمهورية القائمة على الانتخاب كخيار مقدس للوصول إلى السلطة، ومتى يمكن لسلالته التخلي عن العنف وأوهام الحق الإلهي في عرش اليمنيين وثروتهم وأرضهم.
كنت أرجو أن يسأل «أمير الدين جحاف» نفسه لماذا يكرهنا نحن اليمنيين إلى هذه الدرجة؟ حين يمعن في البحث عن إجابة دقيقة سيرى دمنا يجري بين أصابع أسلافه، وأنَّات المعذبين والمقهورين والمُغتَصَبين والمشردين والجوعى تضج في مرافق الاحتجاز الوحشية متجاوزة الجدران والأقبية الدبقة، تصعد مرهقة حزينة إلى الأعلى مثل غيمة مثقلة بالدمع حتى تقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ تذرف دمعها وظلمها، وذات يوم سيأتي رد السماء قويًا وواضحًا مثل ألف شمس ساطعة.
.. وإلى لقاء يتجدَّد..