د. حامد بن مالح الشمري
الأمن الفردي لا يمكن أن يتحقق دون الانصهار في إطار تجمع بشري متماسك لمواجهة الخوف، والشعور بالاطمئنان والاستقرار والتعايش والإخاء والعمل، وهذا ما قاد لظهور التجمعات الإنسانية، من خلال الأسرة والعشيرة والقبيلة، ثم الوطن الذي ينتمي له الجميع، ويقوم على تحقيق الأمن والعدل والاستقرار والرفاهية لكافة أفراده المنتمين والمقيمين على ترابه، انطلاقاً من مسؤولياته الوطنية لصيانة الحقوق والواجبات.
إن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- تضع المطلب الأمني أسمى غاية تسعى لتأصيلها في كل شبر من أراضي بلادنا الطاهرة، ويحتل الأولوية المطلقة، باعتبار أن الأمن والاستقرار أساس الحياة وصمام الأمان، والضمان -بعد توفيق الله- للتنمية المستدامة وصلاح واستقرار المجتمع ورفاهيته والحفاظ على مصادر قوة الدولة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وقد حرصت الدولة، على تطوير أجهزة الأمن ودعمها بالإمكانات اللازمة، وأنشأت من أجل ذلك المراكز والمعاهد والكليات الأمنية، لدعم مسيرة التنمية الشاملة في بلادنا، ومواجهة أي أخطار أو تهديدات، لمتطلبات الحياة الكريمة الآمنة لمسار حياة الأفراد والجماعات، كونها تشمل المحافظة على أمن وفكر الفرد والمجتمع والدولة بكافة مؤسساتها، والأمن بمفهومه الشامل منظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة، يشارك في تحقيقه كافة أفراد المجتمع ومؤسساته، ويعد من الواجبات الرئيسية ذات الأولوية المطلقة. تحقيق الأمن مسؤولية جماعية؛ أفراداً وجماعات، مواطنين ومقيمين وزارات ومؤسسات وشركات وغيرها، مما يتطلب تأصيل مبادئ الأمن الشامل والمواطنة والانتماء في القلوب، والثقافات والحوار والمناهج الدراسية؛ فخلق ثقافة الأمن الشامل هي مهمة منوطة بالجميع، لبناء سياج أمني قوي، لصد أي محاولات للاختراق والتشويش والزعزعة الفكرية للأفراد، وبما يعمِّق الانتماء والمواطنة لدينهم ووطنهم، ولا شك أن بناء هذا السياج هو مسؤولية جماعية؛ فالأمن سلوك وأخلاقيات وقيم وتقاليد وهوية راسخة، ثقافة ووعي ومسؤولية، والجميع مطالب بالمحافظة عليه وممارسته مع كل جوانب الحياة.
إن المتغيِّرات والظروف والتحديات الأمنية بالمنطقة والعالم، قد استدعت إعادة النظر في المسألة الأمنية والمرتكزات التي يقوم عليها الأمن الوطني والإقليمي والدولي، لما لذلك من مساس مباشر بكافة أفراد ومؤسسات الدولة، وتأثرها سلبًا أو إيجابًا، ومن ثم أصبح لزامًا اشتراك كل المؤسسات الرسمية والأهلية في دعم مسيرة الأجهزة الأمنية، لبلوغ تلك الغايات والأهداف الأمنية، وهو ما حرصت عليه حكومتنا الرشيدة، وسهر على ذلك القيادات الأمنية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي وزير الداخلية - حفظه الله -. ولا بد من غرس قيم ومزايا الأمن والاستقرار في عقول النشء والشباب، من خلال المؤسسات الاجتماعية والتربوية والدينية والإعلامية، بالإضافة إلى تكريس دور الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة في التصدي للفكر المتطرف الهدَّام لحماية المكتسبات وتحقيق أقصى درجات الأمن، وبدعم ودور أكبر من كافة وسائل الإعلام.
إن العلاقة بين زيادة ونوع القضايا الأمنية، ودرجة السيطرة عليها يخضع لعدد من العناصر والمحددات الأمنية والاجتماعية؛ فكلما زاد التفهم للمهددات والمحددات الأمنية ومتطلباتها، انحسرت التحديات والقضايا الأمنية، والعكس صحيح ومن هنا فإن مجالات الأمن متعددة ويحب أن تستهدفها الخطط والبرامج التدريبية والتوعية والتطوير الشامل، لاسيما مع تطور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وبرامجها المتقدِّمة، وتأثيراتها على أمن الفرد والمجتمع والدولة والفكر والاقتصاد والاستثمار.
لقد أصبح لزاماً على أجهزة الأمن السعي بخطى حثيثة في ظل الدعم اللا محدود من القيادة الرشيدة تتواكب مع المتغيِّرات المتسارعة وتعمل على تعميق مفهوم الأمن الشامل، وتحويل دور المواطن من مستفيد إلى علاقة مشاركة. ولا بد من تعزيز الشراكة والتكامل بين رجال الأمن وفئات المجتمع المختلفة للوقاية من الجريمة بكافة أنواعها وتقديم الدعم والمساندة للأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى فهم البعد التنموي والفكري والاقتصادي، وأثر ذلك على الأمن والاستقرار، تباطؤ التنمية والازدهار الاقتصادي والصناعي والزراعي على المستويين الفردي والمجتمعي، يؤدي إلى الظواهر الإجرامية والعنف والبطالة، وغير ذلك من السلبيات الاجتماعية والفكرية والترويج لها بين شريحة الشباب، للتشويش على أفكارهم. كما أنه مطلوب، من الجهات الأمنية تكثيف مشاركتها في تقديم الخدمات الاجتماعية والتوعية والإنسانية لما لذلك من فوائد وإيجابيات عدة على العملية الأمنية وتكريس الصورة الذهنية الإيجابية. الأجهزة الأمنية وبما تملكه من كليات وجامعة، مطالبة بإيلاء جانب البحوث والدراسات الاهتمام والتطوير لمتابعة ورصد كافة الظواهر والمتغيِّرات والتحديات الأمنية، مع أهمية بناء شراكات مع الجامعات ومراكز البحوث، فمتى ما أعطي جانب البحوث والمعلومات الأهمية اللازمة، فإنه يفتح الباب، على مصراعيه للوصول إلى فهم شامل ودقيق لما يدور حولنا من أخطار وتحديات، والتنبؤ بما سيحدث مستقبلاً، واتخاذ تدابير وقائية شاملة للمحافظة على الأمن والاستقرار واستمرار التنمية، لاسيما أن بلادنا ودول الخليج، محاطة بدول تعاني من حروب، وصراعات وتنظيمات متطرفة وعدائية بدعم من دول ترعى الإرهاب، وتغذيه بهدف نشر القلاقل والفتن بالمنطقة، بالإضافة إلى التحديات الأمنية والتنموية التي تواجهها تلك الدول التي يخشى من تأثيراتها، لا بد من إيجاد مراكز ومراصد علمية تهتم بكل الظواهر والأنشطة التي قد تعرِّض الأمن والاستقرار للخلل أو الانحراف وإعطاء مؤشرات وأرقام موثوقة للجهات ذات العلاقة حتى تقوم على تطوير برامج وخطط استباقية وعلاجية لمواجهة ذلك فكرياً وأمنياً وإعلامياً واقتصادياً.