سمر المقرن
«عندما تُدخل السعادة في قلوب الآخرين ستعرف السعادة عنوانك».. مقولة شهيرة لشكسبير أؤمن بها تماماً، فلا تحاول إسعاد نفسك فقط وتكون ممن يرويه ظمأ الآخرين، واشرب من نهر السعادة واسق به غيرك، وابحث عن سعادتك في إسعاد غيرك، وإلا فلن تجدها أبداً. وتحضرني حكاية قديمة تقول: كان هناك محاضر في إحدى الكليات الغربية طلب من كل طالب من طلابه الخمسين نفخ بالونة وكتابة اسم كل منهم عليها ثم إطلاقها، بعدها أمر كل طالب بالعثور على البالونة التي تحمل اسمه في خلال خمس دقائق، وانتهى الوقت المحدد دون العثور على البالونات، فأمر بعدها كل طالب بالإمساك بأي بالونة وتقديمها لصاحبها فنجحوا في ذلك خلال دقيقة واحدة فقط والجميع سعداء.. الفكرة هنا أنه عندما كان كل طالب يبحث عن سعادته وحده فشل ولم يجدها، وعندما أراد إسعاد غيره نجح في ذلك بسهولة، تركت هذه الحكاية أثراً كبيراً في أعماقي، وإسعاد الآخرين هو تنشئة وتربية، فما زلت أتذكر في طفولتي عندما كانت والدتي تعد لي «ساندويتش» الفسحة للمدرسة كانت تضيف «ساندويتش» آخر ربما تحتاج إليه زميلة أخرى جائعة نسيت مصروفها مثلاً، وفي امتحاناتي كنت أحمل قلمين أو أكثر في حقيبتي تحسباً لنسيان طالبة أخرى لقلمها، وكبرت وأثمرت شجرة إسعاد الآخرين بداخلي، فعندما أشتري شيئاً من بائع فقير لا أجادله في الحساب بل وأحيانا أزيد من الثمن لصالحه طمعا في إسعاده، وقد أشتري منه وأنا لست بحاجة إلى بضاعته، وحتى عندما تتعطل ثلاجتي أو أي جهاز كهربائي في منزلي لا أحزن بل أسعد لأنني سأكون مصدر رزق وإسعاد لآخرين. وعندما دخلت مجال الصحافة والإعلام كان همي الأكبر تناول أفكار وقضايا وإلقاء الضوء على شخصيات ونماذج مشرفة تُسعد غيري وكثيراً ما أضع في حقيبتي بعض قطع الحلوى لتقديمها إلى الأطفال لإسعادهم.
عندما تتشكل الشخصية على هذا المنهج، تكون السعادة في أبسط مما تتصور، تبحث عنك قبل أن تبحث عنها، تظهر للجميع ويستشعرها الناس في بشاشتك وإضحاك طفل أو مساعدة كبير في السن أو مسح دمعة حزين أو تقديم التهنئة لإنسان. وقد يرى البعض أن السعادة في امتلاك المال الكثير والسيارات الفارهة والمنصب الكبير، وهي أشياء قد تجلب السعادة مؤقتاً ولكن حتماً سيتلاشى سحرها ويتبدد مفعولها. ولكن السعادة الحقيقة تكمن في الرضا وتسكن القلب وتتوزع لباقي الجسم وتسبب التصالح مع الذات وتتغذى بإسعاد الآخر. السعادة هي الحب بلا مقابل. السعادة في داخل الإنسان الذي إن لم يتمكن من فعل الخير لا يفعل الشر. والسعادة في داخل الإنسان الذي يحترم الجميع مع اختلاف أفكارهم وتعدد وجهات نظرهم.
طائر السعادة عندما ينطلق من قلبك ولسانك سيغرد حتماً في قلوب الآخرين.