د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
حين يعلو الحديث عن التاريخ الوطني، وحين يتصدر أولويات المعرفة التعليمية؛ فذلكم استيعاب وجداني يتضاعف خلاله وهج أحداث التأسيس والبناء والحضارة الممتدة والعهود النضرة للقيادات السعودية الملهمة؛ وتنتشي مع كل الخطوات الجادة مسيرة جادة أيضاً لصناعة العقول الوطنية عبر مسيرة تاريخنا المشرقة؛ وكل حواس التأمل التي ترتشف مفردات ذلك التاريخ الذي أودعه الله في بلادنا طبيعة وصناعة؛ وقوة عقول، وحيازة السباق والاستباق، أما تجليات المشهد فقد حضرت ْ عندما طالعتنا وسائل التواصل الإعلامي في الأسبوع الماضي باللقاء الذي تم مع معالي وزير التعليم والفريق العلمي المكلَّف (بمراجعة مقررات تاريخنا الوطني السعودي الذي سيُطبق فى الجامعات لأهمية إبراز تاريخ بلادنا ورموزه الوطنية)، وحين يتم ذلك فسوف يكون حوارٌ جليٌّ مع المتعلِّمين تنشط معه كل اقتباسات الولاء واللحمة الوطنية؛ وهم من استجمعوا كل طاقاتهم من أجل عمارة بلادهم منذ الأزل فكيف سيكون الفيض حين تُحفّزُّ ذلك المعرفة العميقة عن تفاصيل التاريخ السعودي المجيد؟ فتاريخنا الوطني شاهد عيان عملاق لتفوقنا حكّاماً وحكماء، وتاريخنا الوطني أيضاً شاهد عيان على تحولاتنا الاقتصادية عبر العهود الممتدة؛ وتاريخنا الوطني فسيفساء عشق كبرى يرصفها تاريخ الإنسان والأرض لتعلن اجتياز بلادنا لمراحل البناء الحضاري حتى عهدنا الحديث الشامخ؛ ولم يُبن تاريخنا الوطني على الصدف والمواقف العابرة إنما هو صناعة مجد، واجتماع قلوب، وتوحيد همم؛ وليس مجرد صفحات من السرد المدعم بالوثائق والأسانيد، وليس شبيها بمعارض الصور الثابتة إنما هو حياة دولة عظيمة اكتملت ملامحها التفصيلية ملمحاً بعد ملمح حتى أصبحت كياناً عملاقاً تخفق راياته عالياً وتستدير أيضاً على تمام يقينها، حيث تهفو لها أفئدة المسلمين حينما يلبّون داعي الله عزَّ وجلَّ لأداء شعائرهم؛ واليوم أصبحت مستراداً سياحياً عالمياً تُنتقى تفاصيله وأصوله ينافس العالم، ولذلك فإن البشارات والأنباء التي تُعلن تدويناً جديداً لتلقّي المعرفة العميقة عن تاريخنا الوطني أحسبُها طقوساً وأبجديات كانت مطلوبة منذ الأزل، فيجب أن تتصدر التأليف التعليمي لتاريخنا الوطني عناوين عريضة، حيث تربعتْ بلادنا على مساحات شاسعة من الجزيرة العربية؛ سليمة المعتقد، طيبة العناصر نقية الاتجاه، بسطت نفوذها وحولتْ واقع الجزيرة العربية المرير آنذاك وما تعيشه من قلق إلىوحدة ذات كيان واحد، وهدف واحد، وعقيدة واحدة هي عقيدة التوحيد؛ وفي العمق أيضاً لا بد أن تتجلَّى عند المتعلّمين من خلال التدوين التعليمي رغباتهم ونوازعهم من وإلى بلادهم، وتعميق معرفة المتعلمين بالتاريخ الوطني مطلب تأسيسي مهما عظُمتْ العلوم الأخرى وتشعبتْ واكتظتْ في واقع المتعلمين ليكون التاريخ حيّاً ناطقاً في مؤسسات التعليم في جميع مراحلها ومساراتها الأكاديمية وما دونها دون استثناء، وتدوينه غزيراً بتفاصيله التي رصدتها أقلام المستشرقين الأجانب؛ ورواد التسجيل التاريخي في بلادنا الذين رضعوا تاريخها واعتبروه سمة سرت فيهم مسرى أرواحهم؛ فرصدوا كفاح حكام هذه البلاد منذ تأسيسها، وكتب مؤرِّخو بلادنا بأسلوب توثيقي رصين؛ وكان انعطافهم نحو التعمّق في الاستقصاء لاضطلاعهم بواجبهم الوطني أيضاً، ولقد حظيتْ فترة تأسيس هذا الكيان الشامخ «المملكة العربية السعودية» التي قادها وشكَّل تاريخها الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- حظيت بمئات من المؤلفات أصدرها سعوديون وعرب، ومنها ما ألّفته أقلام أجنبية كانت خبيرة في تدوين الأحداث والتحليل التاريخي غير السردي، ومن مصادر التاريخ الوطني أيضاً الآثار التي توشحتها حكايات الكفاح والانتصارات ونقشت عليها علامات تُحتذى وهي مؤشر على حضارات عريقة أسهمت في تأسيس تاريخ حضارتنا الممتدة في عهود بلادنا المضيئة، كما أن الملاحم الشعرية نبع آخر يؤطِّر من خلال النظم الشعري شذرات من تاريخنا الوطني الذي يحتاجه المتعلِّمون في قوالب جديدة تتماهى مع بلادنا السعودية الحديثة أيضاً، ويحتاج المتعلِّمون أيضاً إلى قراءات جديدة في الفكر التاريخي لكل عهد من عهود بلادنا الممتدة منذ عهد المؤسس - رحمه الله- ذلك الفكر الذي قامت من خلاله دولة عملاقة تنعم بالسلم والرخاء وكان محيطها الخارجي يعج في ذات الوقت بالأزمات والمؤامرات والثورات؛ وحتى يكون تلقي التاريخ الوطني مجزياً ومجدياً في محيط المتعلِّمين فلا بد من صهر مجموعة من الخطابات الثقافية في بوتقة التاريخ لتشكيل دلالات السيادة والنقاء الممتد، والذكريات الخالدة في أذهان المتعلِّمين، وستُؤطَر للأجيال من خلال ذلك حكايات فاخرة في الشجاعة؛ وعمق العطاء الإنساني الذي تراسل عبر عهود بلادنا على هيئة خطاب وجداني تحنُ إليه الذائقة السعودية، وحتى نجعل التاريخ الوطني مادة تسكن عقول المتعلِّمين لتقي قلوبهم الحر والقرّ! وحتى يتلقَّى المتعلمون مايا نفوسهم؛ وجذور انتمائهم فلا بد من تطوير التلقي في ذاكرة الأجيال حتى نحقق صعوده المثير للدهشة؛ ولعل وزارة التعليم في حراكها المعلن نحو الوعي بالتاريخ الوطني تتبنَّى حاضنة تُعنى بتدريس ذلك التاريخ وتطوير التلقي بآليات غير تقليدية في الجامعات والتعليم العام على حد سواء!
بوح،،
(أما هاهُنا قامتْ على العزِّ دولة
ومجدٌ يُسامي هامةَ النجمِ فارعُ)