د. خيرية السقاف
أذكر أنها كانت بهية بثمانيتها،،،
بأولئك العاملين عليها، الفرحين بها..
بتلك الشذرات المنبثقة من قلوبهم..
بنفحات عقولهم، برائحة مداد محابرهم
الذين يتأبطون كتبهم، وأوراقهم، وأفكارهم، وأقلامهم..
وفي جلساتهم لا يديرون غير أطباقها فكرا، وأدبا، وشعرا
وقصصا،
تتبارى أساليبهم، وتتوارى مناقبهم.
* * *
أذكر أن لرائحة الحبر في أوراقها زخما يعمِر الذائقة
تماما كما يفعل العطر في إهاب السعداء..
* * *
أذكر أن الصغير حين يقفو أثرهم يأخذونه لفوق أكتافهم..
ربما تطوق قدماه رقابهم وهم في مسرة حبوه، واعتلائه..
القلم في يده عبث غِرٍّ، لكنه في قبولهم أملا قادما ببشرى..
* * *
أذكر أنهم يبذلون كانوا لها كي تصل قبل الفخر للبيوت،،
للمتاجر، لأولئك الساهرين تحت الشجر، وعلى الأرصفة، وفي حدائق الأحياء ليجدوا أسماءهم فيها ناجحين، متفوقين..
* * *
أذكر أنها بشال أوراقها، وفسيفساء حروفها، وأنهار صفحاتها
كانت تصب في ذائقة كل فرد في أسرة..
وحين استوت للخبر صدرا، وللصورة ميدانا
جذبت للعيون جديدا، وجاءت للعامة مرجعا..
* * *
وأذكر كيف تطورت، قفزت درجة لأخرى،
وكيف غاصت في ميدان لأوسع..
* * *
أذكر كيف كانت تعرض لمن يأتيها ليعمل،
وكيف غدت تتخير من يطلبها بانتقاء..
* * *
وأذكر كيف صُفَّت حروفها مكعبات رصاص
وكيف جرت أحبارها ميكنة آلة..
* * *
أذكر من ثمانيتها القليلة لعشراتها الكثيرة،
من زواياها الخاصة، لأقسامها المختصة،
من خطوطها البارزة تغطي مساحاتها، لحروفها المقننة تدك صفحاتها..
* * *
أذكر كيف أنها المؤثِرة، والفاعلة، المنافِسة والمتَنافسة
وكيف تقف الآن في معترك رقمي يبادلها المكان!!
* * *
هذه التي منحت عبقها، ومنازلها، التي دخلت البيوت، والمكاتب، والمؤسسات،
وحركت الأذهان، ومنحت الطمأنينة، وأخبرت بالأحداث، وأوصلت الأصوات، وأعطت
سهر الساهرين عليها عناية الساعين إليها،
اليوم أراها تتقلص، ففضاء آخر يطل في أفق الحاضر..
يشد بحباله أوتادها، يهيمن في مدى الناس على انتباههم عنها..
وفي انتظار قدرة آتية وسنذكر كيف ستعود لفضائها، وبأوتادها!!..