محمد آل الشيخ
الماضي لا يمكن أن يعود، وعقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء؛ هذه الحقيقة الكونية لا يؤمن بها المتأسلمون الرغبويون، وكذلك كل من يحاول أن يمتطي الإسلام وتعاليمه ليس عن قناعة، وإنما كمطية لتحقيق أحلامه وطموحاته السياسية.
الرئيس رجب طيب أردوغان رجلٌ متأسلم بامتياز، فهو يتربع على عرش دولة علمانية، تقف - كما ينص دستورها - من جميع الأديان والمذاهب على مسافة واحدة، وتؤمن بأحقية الأفراد بممارسة أي فعل، حتى وإن كانت تحرمه الأديان، ومن ذلك سماحها بالإتجار بالدعارة، وتتقاضى على تلك التجارة ضرائب تدفعها دور البغاء للحكومة الأردوغانية؛ والسؤال الذي يثيره هذا السياق: هل يمكن لهذه الدولة بهذا الدستور أن تقود العالم الإسلامي كما يطمح رئيسها، أو كما تنادي به جماعة الإخوان المسلمين؟
لو طرحت هذا السؤال على طفل لا يتجاوز عمره العشر السنوات لأجاب على الفور بالنفي؛ فلا يمكن لدولة بهذا الشكل أن يطمح رئيسها بأن يتزعم العالم الإسلامي؛ نعم تركيا ككيان دولة إسلامية، لأن أغلبية شعبها يدينون بدين الإسلام، لكنها لا يمكن أن يحتل سياسيوها موقع القيادة والريادة وهي على هذا النحو من التفسخ الذي لا يمت لأخلاقيات الإنسان ناهيك عن الإسلام بصلة. وليس لديَّ أدنى شك أن رئيسها أردوغان يرفع شعارات الإسلام، ويزاود على تعاليمه وقيمه وأخلاقياته لأسباب براغماتية بحتة، كما أن جماعة الإخوان المسلمين هم أيضاً يرفعون شعارات التأسلم وتحكيم الشريعة لذات الأسباب، وليس أدل على فشل تجربة التأسلم السياسي في العصر الحاضر من فشل جماعة الأخوان ومفرزاتها عندما حكمت مصر، وكذلك البشير في السودان، والتجربتان ملكتا القوة والسلطة وربما التأييد الشعبي، ومع ذلك فشلتا بامتياز. ولا أعتقد أن ذلك يغيب على أردوغان، لأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار، لكن أردوغان يستغل التأسلم كوسيلة لاجتذاب الشعوب المسلمة المهزومة، لتحقيق أحلامه في السيطرة على المنطقة، والتحكم فيها، واستغلال ثرواتها، غير أن الذي فات على أردوغان، وربما لا يريد أن يفكر فيه، أن لكل عصر دولة ورجال، وقناعات، فلا يمكن أن تُحيي دولة مندثرة ظالمة في تاريخها مع شعوب المنطقة، وذكراها لدى الشعوب التي احتلتها كالح السواد، ولها في كل أرض عربية، وغير عربية احتلتها، تاريخ هو الأسوء على الإطلاق؛ وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تعتقد أن بإمكانها التدليس على هذا التاريخ، وذر الرماد في العيون، وتقديم الدولة العثمانية على أنها دولة العدل والمساواة والحكم الرشيد، فصفحات التاريخ ستفضح محاولاتهم، وتعري جرائم هذه الدولة التي كانت من أسباب تخلف المسلمين، أضف إلى ذلك أن مؤازرة أردوغان لما يُسمى الربيع العربي المشؤوم، يؤكد أن أردوغان عثماني قميء بامتياز، وداعية هدم وتخريب وحروب لا تنتهي هنا إلا لتبدأ هناك؛ وأمامكم ممارساته في الشمال السوري وفي ليبيا، التي هي بمنزلة جهيزة التي قطعت قول كل خطيب.
وليس لديَّ أدنى شك أن هذا التركي المتأسلم سيفشل، فهو في طموحاته السياسية مثل من يلاحق سراباً في صحراء يحفها الظمأ من كل جانب. فالعثمانيون دولة سقطت وتلاشت، ولن تعود، مهما حاول المرضى الرغبويون من جماعة الإخوان إحياءها من جديد.
إلى اللقاء.