على الرغم من قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تسويق ما يعتبرها إنجازات حكومته للجماهير، فإن وضع تركيا الحالي في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط مروع، وقد تؤدي مناوراته اليائسة على نحو متزايد في السياسة الخارجية إلى إشعال المزيد من الصراعات في منطقة مضطربة بالفعل.
لقد اتبعت تركيا سياسة عدوانية وتوسعية في منطقتها على مدار السنوات العشر الماضية. حتى فترة التزام أنقرة بسياسة «عدم وجود مشاكل مع الجيران»، والتي سبقت السياسة الخارجية الحالية الأكثر طموحاً وعدوانية، كانت محفوفة بمشاكل العثمانية الجديدة والإسلام السياسي- وهما من مدرسة أقدم بكثير من التفكير الإمبريالي.
وقد تعود الزيادة الكبيرة في روح المغامرة التي تنتهجها الحكومة التركية إلى محاولة الانقلاب في عام 2016، والتي أعطت حكومة أردوغان السلطة التامة التي طالما سعت إليها في الداخل.
وترتكز استراتيجية الحكومة على تشكيل انطباع في الداخل عن نجاح السياسة الخارجية وبالتالي احتواء معظم أحزاب المعارضة من خلال خطاب يشدد على المصلحة الوطنية.
كان لهذا المصطلح الغامض تأثير مُعطل على مختلف فصائل المعارضة في البلاد، حيث أنها غير قادرة على صياغة خطاب مضاد دون أن يبدو أنها غير وطنية.
وهكذا، عندما اتخذ أردوغان خطوات لتفكيك تحالف البلاد الذي دام مئة عام مع الغرب بدا الأمر كما لو أنه لم يكن سوى زواج مصلحة. كان قادراً على فعل ذلك من خلال تسويق هذا على أنه سياسة خارجية جديدة ومستقلة. وقد ترددت أصداء هذا بقوة مع جمهور محلي نشأ على القصص القومية عن الغرب الذي يستغل تركيا بشكل غير عادل من أجل مخططاته الشائنة. كان أردوغان هو القائد الذي سيمثل عودة الفخر الذي يسعى إلى تحقيقه رداً على الصدمة التي تم استثمارها بعناية لمدة قرن من الزمان على الإمبراطورية المفقودة.
وكيف كانت النتيجة؟ حسناً، لقد غرقت تركيا في العديد من الصراعات في شرق البحر المتوسط حيث تخسر بوضوح. لم تحقق أنقرة أياً من أهداف تدخلها القوي في الحرب الأهلية السورية. يجد أردوغان نفسه الآن في موقف لا يمكن تحمله ضد الحكومة السورية ومختلف القوى الإقليمية والقوى الكبرى المنخرطة في الصراع.
لقد بات وضع تركيا في إدلب غير مقبول من المنظور العسكري وهو أمر ستكون له عواقب بعيدة المدى على المنطقة العازلة التي أقامتها على طول الحدود في شمال شرق سوريا، ومنطقة عفرين التي احتلتها في الشمال الغربي.
ففي شرق البحر المتوسط، تواجه تركيا تحالفاً من القوى الإقليمية بما في ذلك إسرائيل ومصر واليونان، إضافة إلى المصالح الاقتصادية المتعارضة للقوى الكبرى مثل فرنسا وإيطاليا. وتفوق منافسو أردوغان عليه واستبعدوا تركيا من مشاريع الغاز في شرق البحر المتوسط.
وأبرم أردوغان اتفاقاً في نوفمبر لدعم حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة في ليبيا وأبرم اتفاقاً آخر زعم أن البلدين تربطهما حدود بحرية في المياه الإقليمية التي تعوق طريق خط أنابيب غاز يعتزم خصوم تركيا في المنطقة إقامته لنقل الغاز من شرق البحر المتوسط إلى الأسواق في أوروبا.
وقد تطرح الحكومة التركية قرارها بإرسال جنود إلى ليبيا كمؤشر آخر على وجود قيادة قوية تلتزم بالمبادئ من أجل حماية مصالح تركيا.
لكن حتى أقل المراقبين الدوليين قدرة قد يرى كارثة في التحالف مع كيان سياسي محتضر سريع الانهيار في طرابلس، يواجه المشير خليفة حفتر، الذي يتلقى الدعم من روسيا وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لقد فشلت مناورات تركيا السياسية المختلفة من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار (لكسب الوقت ودعم حكومة طرابلس المتداعية) فشلاً ذريعاً في حين قدم حلفاء حفتر الدعم له في هدوء وهم يتمتمون بالمجاملات وبدعوات السلام الصامتة. ولم يوقع حفتر على أي شيء لأنه كان سيوصف بالجنون إذا وافق على وقف إطلاق النار في وقت كانت الهيمنة العسكرية من نصيبه هو وأنصاره. وقد واصل حفتر محاصرة طرابلس ليضع نفسه في وضع أفضل للتفاوض في المرة القادمة التي تتم فيها دعوته إلى طاولة المفاوضات.
بعبارة أخرى، كانت مغامرة تركيا في ليبيا محكوم عليها بالفشل من البداية، ولا تتجه في اتجاه واعد بشكل خاص في الوقت الراهن.
بإيجاز، لن أخوض في جهود السياسة الخارجية العقيمة الأخرى لإدارة أردوغان هنا، إذ أن هذين الأمرين يكفيان لإظهار حقيقتين:
أصبح أردوغان يشكل خطراً واضحاً على الاستقرار الإقليمي، وقد يؤدي إحراقه للجسور مع الغرب، إلى جانب الطبيعة غير المتوازنة بشكل متزايد لمغامراته الخارجية، إلى اندلاع سلسلة من الحروب قد تدمر شرق المتوسط والشرق الأوسط.
بمحاولة القيام بشيء يفوق قدراتها، التزمت تركيا بمسار عمل لا يمكن دعمه بقدراتها الاقتصادية أو العسكرية. عندما تفشل هذه المغامرات، فلن تتم خدمة مصلحة تركيا الوطنية جيداً، لكنها ستقوضها بشدة وسيتعين على أجيال من المواطنين الأتراك دفع ثمن الأخطاء الجسيمة لهذه الإدارة.
يعد الوضع في شرق البحر المتوسط اليوم مثالاً كما في الكتب على اللعبة الصفرية، حيث تتنافس حكومات عديدة على إمكانات موارد النفط والغاز. الجزء الوحيد الذي لا معنى له في هذه الصورة هو افتراض أن الدول أطراف فاعلة عقلانية تعمل على تحقيق مصالحها. وفي حالة تركيا تحت قيادة أردوغان، يمكن لممثل الدولة أن يتخذ خطوات تقوض مصالحها ولا تستند إلى نظرة عقلانية لما هو في صالح تركيا، ولكنها تستند إلى ما يخدم مصالح أردوغان.
برزت تركيا تحت قيادة أردوغان كتهديد للاستقرار في منطقة شديدة الاضطراب في العالم. لم يمنع إنهاء الحرب الباردة احتمال وجود صراعات عالمية أو إقليمية مدمرة بشكل لا يمكن تخيله. لا تملك الشخصيات الدولية الفاعلة غير المسؤولة مثل أردوغان القدرة على تغيير توازنات القوى الكبرى في العالم، أو حتى القدرة على تحقيق أهداف إمبريالية صغيرة كما يعتقد جمهورهم المحلي، لكن لديهم القدرة على فتح صندوق باندورا وإطلاق المزيد من الحروب المدمرة التي قد تجتاح العالم.
* أكسل كورلو: باحث وخبير في الأوساط الأكاديمية. تشمل مجالات أبحاثه العنف السياسي والإرهاب، ودراسات الاستخبارات، والشرق الأوسط الحديث، من بين العديد من المجالات الأخرى. قام بتدريس دورات في التاريخ وعلم الاجتماع في أربع جامعات في الولايات المتحدة.
** **
- أكسل كورلو