محمد عبد الرزاق القشعمي
بعد أن عاد نهار النصار يحمل إجازة الطيران من معهد مصر للطيران، والتحق بالعمل في الخطوط الجوية العربية السعودية كمساعد طيار في الأول من ديسمبر عام 1957، وبعد عام أمر الأمير فيصل بن عبد العزيز - ولي العهد آنذاك- بإعطاء فرصة للطيارين السعوديين لتولي قيادة الطائرات، إذ إن قادة الطائرات وقتها كانوا من جنسيات أجنبية، وقد تمكن نهار النصار مع زميله بهاء الدين أسعد من اجتياز الاختبار اللازم، وأصبحا بذلك أول سعوديين ينالان رتبة قائد (كابتن) طائرة تجارية، على طائرات دسي 3.
وفي عام 1959 عُين نهار مسؤولاً عن الطلاب المتقدمين لدخول دورة الطيران في الخطوط السعودية، مع استمراره في الطيران.
ومن بين طلاب الطيران الذين أشرف عليهم كان الكابتن أحمد مطر الذي أصبح فيما بعد مدير عام الخطوط السعودية، والذي قال معتزاً بعلاقته بالكابتن نهار النصار منذ لقائه في الظهران عام 1959 وقال: «.. وقد بقيت علاقتي بالكابتن نهار مستمرة، وكانت علاقة احترام بكل المقاييس». وقال إنه دائماً يُذَكِّر زملاءه بما كان عليه أجداده بفخر واعتزاز، فقد كان والده وأجداده من قبله كانوا (جمالين) يقودون أهم وسيلة نقل في عصرهم، فيما هو يواصل مسيرتهم بقيادة أحدث وسيلة نقل في عصره. وفي عام 1960 تزوج القائد نهار النصار فرزق بابنته المهندسة (شويكار)، ثم ابنه المهندس نواف، وفي عام 1961 ابتعث نهار إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على شهادة (طيار خطوط جوية ATR من هيئة الطيران الفدرالية الأمريكية وهي أعلى شهادة في الطيران، فبعد أن اجتاز جميع الاختبارات النظرية والعملية المطلوبة، وحصل على الشهادة في مارس في عام 1962، ولينجح بعدها بالاختبار على قيادة طائرة نفاثة من طراز بوينق بعد التدريب المطلوب، فكان بذلك أصغر طيار سعودي وعربي، بل وأصغر طيار في العالم حتى ذلك التاريخ يقود طائرة نفاثة، وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة (ذا كانزاس ستي تايمز) في عددها الصادر يوم الاثنين الأول من فبراير عام 1965. وقد تلقى إثر هذا الإنجاز برقية تهنئة من الأمير سلطان وزير الدفاع والطيران والمفتش العام - رحمه الله.
وكان الكابتن (سام بقلر) هو الذي يتولى قيادة الطائرة في الرحلات الملكية. وكان القائد نهار النصار مساعداً له، ولكن منذ عام 1963 أصبح القائد نهار هو من يقود الطائرة الملكية، واستمر على هذا حتى وفاته - رحمه الله - وقد أقلت الطائرات التي قادها نهار النصار كلاً من الملك سعود، والملك فيصل والملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد، والأمير سلطان - رحمهم الله جميعاً.
وتستمر صحيفة الرياض في رواية قصته، كما رواها زميله القائد طيار جزاع الشمري، الذي روى أن الكابتن نهار النصار كان يقود طائرة الملك فيصل - رحمه الله - في رحلته المشهورة من مدريد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يرافقه زميله الكابتن سام بقلر، وبينما كانت الرحلة في طريقها إلى الولايات المتحدة متجاوزة الحدود الإقليمية لجمهورية البرتغال، وسط مياه المحيط الأطلسي، تعرضت إلى بعض الأعطال، مما دعا القائد نهار النصار لأن يخبر الملك فيصل بالأعطال ويطلب توجيهاته، بيد أن الملك قال له: أنت قائد الطائرة وأنت أعلم بحالها، لذلك اعمل بما يقتضيه عملك ولا حرج، عندها رأى القائد نهار ضرورة العودة إلى أقرب مطار، وهو مطار لشبونة عاصمة جمهورية البرتغال، وبعد الإذن بالنزول في مطار لشبونة، وما إن نزل الملك فيصل بالمطار إلا ووجد رئيس الوزراء البرتغالي في انتظاره هناك، دون موعد سابق، ويرى البعض أن هذا اللقاء أسهم في عودة العلاقات العربية مع جمهورية البرتغال التي كانت متأثرة لأسباب تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وفي سبتمبر من عام 1975 كُلِّف القائد نهار النصار بإنشاء قسم للرحلات الملكية يكون مستقلاً عن العمليات الاعتيادية للخطوط الجوية السعودية، فكان بذلك أول من أسس هذا القسم. ورغم مسؤولياته هذه استمر بالعمل قائداً للطائرة الملكية، وفي عام 1976 عُيِّن مديراً لعمليات الرحلات الملكية مع استمراره في الطيران، وفي عام 1977 أصبح أول مدير عام لعمليات الرحلات الملكية، وفي منتصف عام 1993 عُيِّن مساعداً لمدير عام الخطوط السعودية لعمليات الرحلات الملكية.
وخلال مسيرته المهنية الحافلة حاز النصار على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير.
إذ يذكر الدكتور عبدالله المدني بمقال له بصحيفة (الأيام) البحرينية تحت عنوان: (النصار.. طيار الملوك.. وأول عربي قاد البوينج) العدد 11025 يوم الأحد 16/ يونيو/ 2019 الموافق 13 شوال 1440هـ».. وخلال مسيرته المهنية التي أنجز فيها 18000 ساعة طيران، حصل النصار على العديد من الأوسمة من ملك المغرب الحسن الثاني وملك إسبانيا خوان كارلوس وسلطان عمان قابوس بن سعيد والرئيس المصري أنور السادات ورئيس السنغال وتشاد. علاوة على شهادة تقدير من تونس، وشهادة مواطن فخري لولاية تكساس الأمريكية..».
ويؤكد كل من عرفه بأنه يتميز بحسن الخلق والاعتدال، وكان محبوباً من الجميع، وأنه هادئ الطباع محباً للاطلاع على كل جديد خاصة في مجال الطيران. وكان منضبطاً دقيقاً يحب الالتزام في العمل.
وفي صبيحة يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر صفر عام 1415هـ الموافق للثالث من أغسطس عام 1994م وفي المستشفى العسكري بمدينة جدة انتقل إلى رحمة الله تعالى الكابتن طيار نهار بن عبد الرزاق بن محمد النصار بعد صراع مرير مع المرض دام أربعة أشهر، فانتهت بذلك حياة كريمة خدم فيها وطنه تسعة وثلاثين عاماً، وطار خلالها ثمانية عشر ألف ساعة وسبع دقائق وتسع عشرة ثانية - رحمه الله.
... ... ...
- صحيفة الشرق بالدمام - المحتجبة - لعدد 1592 ليوم الأربعاء 6-7-1437هـ - 13-4-2016م ص 16.
- خواطر وذكريات لإبراهيم الحسون، جدة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج2، 53.
- العدد 17497 ليوم الجمعة 13 شعبان 1437هـ الموافق 20 مايو 2016م ص17.