سهام القحطاني
«قبل الأديان عبد الرجل المرأة، وفي ظل الأديان استعبد الرجل المرأة، وفي ظل الحضارة العلمانية استثمر الرجل المرأة»، مما جعل هوية كينونة المرأة رهينة بالعقلية الذكورية وثيمات خطابها المتحول.
عبدت الشعوب ما قبل الأديان «كينونات نسوية» وحولتها إلى آلهة مثل: أفروديت وعشتار والعزى، وهو ما يجعل هذا التصرف من قبل العقلية الذكورية مجال استفهام، فهل كانت المرأة في ذلك الوقت تمثِّل رمزية أعلوية تتساوى مع الرجل في قوة الفعل والتأثير أو تتفوق عليه؟ لتحظى بالتحوّل إلى «إله»، أم أن الأمر يعود إلى الثيمات التي تمثِّلها تلك الرموز الإلهية مثل الحب والإخصاب والأمومة؟ أم أن الأمر كان طقساً فكرياً حاصل النظام الأمومي الذي كان سائداً في العصر الحجري باعتبار أن المرأة مصدر الحياة؟
وفي ظل غياب السبب المؤكد لهذا التفكير تظل الحقيقة التي حفظتها لنا الأساطير أن المرأة في حقبة زمنية حكمت المجتمعات الإنسانية عقدياً.
وبعد ظهور الأديان أصبحت هناك «ديننة مقصودة» لكينونة المرأة اعتماداً على قصة خروج «آدم « من الجنة بسبب «حواء» كما زعمت الحكايات الدينية حتى تُنقي آدم من فكر وسلوك الخطيئة وتحافظ على سلامة كمال الرجل لتحوله بالانتساب والاقتضاء إلى حواء لتُصبح هي رمز الفكر الإغوائي والخطيئة، وهي رمزية ما زالت المرأة تُعاني منها حتى اليوم من خلال مؤشراتها المباشرة أو المستترة.
وهذه الديننة الكهنوتية للمرأة كونها ممثّلاً لرمزية الغواية والفتنة والخطيئة والعورة هي التي شجعت الرجل على اضطهاد المرأة واستعبادها.
مع أن أصول الأديان اليهودية والمسيحية كرَّمت المرأة وجاء الإسلام العظيم فمنحها كامل الحقوق التي تحفظ إنسانيتها كونها شريكاً أساسياً وفعّالاً في عمارة الأرض وترقيتها.
وعندما بدأت الحضارة العلمانية تفرض مبادئها وطقوسها على البشرية، وهو ما أدى إلى ظهور الصراع بين الديني والعلماني، انعكس ذلك الصراع على «كينونة المرأة» إذا أصبحت المرأة في ظل هذا الصراع هي رقعة الشطرنج؛كونها مصدر التنافسية بين الطرفين وبها يمكن التحكم في ثنائية الفوز والهزيمة، فتخليص «المرأة» من الهيمنة الدينية بكل خلفياتها هو نصر للعلمانية على الديني، لكن العلمانية في عقلها الذكوري رسمت للمرأة الكينونة التي تحقق مبادئها وطقوسها، كينونة ذات علامة تجارية مما حولها إلى «سلعة» ومشروع تسويقي تكسب منه الملايين من الدولارات تحت شعارات المساواة والحرية وفق العقلية الذكورية وخطابها لا وفق المستحقات الحقيقية و العادلة والنزيهة لتلك الشعارات كما تسعى إليها المرأة أو كما تقرّر هي لذاتها لتشكيل كينونتها.
لتدخل المرأة في عصر العلمانية في صراع داخل كينونتين؛ الكينونة الإنسانية الممثلة لها والنقية من شوائب الافتراءات والاستثمارات التجارية، والكينونة الاستثمارية التي تستغل أنوثتها تجارياً وتحويلها إلى «عروسة الماريونيت»مما عزَّز في الذهن الجمعي ما كانت تزعمه الأساطير الدينية من الكينونة الفاسدة والشريرة للمرأة.
لتكتشف المرأة أن العلمانية التي استحيت كينونتها هي الوجه الآخر للهيمنة الدينية التي قامت بذات الفعل سابقاً. ظلت وستظل العلاقة بين المرأة والرجل ثنائية متشابكة لحكاية غير منتهية الصلاحية؛ قائمة على اضطراب هوية أصل تلك العلاقة ما بين التبعية والتكاملية والتفاضلية والتجاورية المتكافئة بالتوازي والتوازن؛ أي موقع المرأة الوجودي من كينونة الرجل وأثر العقلية الذكورية وخطابها في التحكم في إعادة التشكيل الظرفي لكينونة المرأة.