د. حسن بن فهد الهويمل
على أديم الصحراء، ونحن نخب ونضع عليها في الطريق إليها، اصطحبت معي مجلداً من مجلّدات (كتاب الأغاني) (لأبي الفرج الأصفهاني ت356 هج) وهو من أوسع موسوعات تاريخ الأدب العربي القديم، والنقد الذوقي الانطباعي. وليس أشملها، لأنه مرتبط بالقصائد المغنّاة.
عرفت تلك الموسوعة قبل ستة عقود ونيف في مكتبة (المعهد العلمي ببريدة) حيث وجهني إليه العلامة الشيخ (محمد العبودي) لجمع الطرف، والأخبار لإلقائها بنادي المعهد، ونشرها في صحفه الحائطية، كان ذلك عام 1375 هجرية، وكنت إذّاك طالباً فيه، أحب القراءة، والكتاب ومنذ ذلك الحين، وأنا أُلمّ به.
وحين وسّع الله علي اشتريت طبعة (دار صادر) المصوّرة، ثم اشتريت فيما بعد طبعة الدار نفسها محققة تحقيقاً جيداً بقيادة الدكتور/ إحسان عباس رحمه الله.
وللأغاني ملخصات، ومختصرات (لابن منظور) و(طه حسين) وآخرين اشتريتها، ثم نبذتها، لأن للأصفهاني طريقته الممتعة، وأسلوب عرضه الأخّاذ.
كتبت عن الموسوعة مقالاً تحت عنوان (أعذب الكتب وأكذبها) أثارت كل الأطراف.
ما أقوله جازماً:- لا يعد أديباً من لم يقرأ الأغاني. بل لا يعد ناقداً من لم يقف على لطائفه النقدية.
الأصفهاني تقصى القصائد المغنّاة، وسماها أصواتاً، وترجم لأصحابها، ولبعض المغنين والمغنيات، معتمداً منهج الرواية المعنعنة.
تشتمل الموسوعة على ثروة أدبية، لا تتوفر في غيرها من الموسوعات الأدبية، وبخاصة المختارات الشعرية كـ(الأصمعيات) و(المفضليات) وكتب(الحماسة) و(الأمالي) و(المختارات).
قراءتي المعادة، بل المتكررة للأغاني تكشفت لي في كل مرة لطائف دقيقة، وملاحظات طريفة، سوف أبادر رصدها، ونشرها -إن شاء الله- كلّما سمح الوقت، وتوفر الجهد.
نحن في زمن التخطي للتراث، والتعدي عليه، والتنقص منه، ممن يجهل كنوزه.
دعونا نرحل به، ولا نرحل إليه، نضيف إليه، ولا ننفيه، نجعل الجديد رديفاً لا بديلاً.
فمن لا جذور له ريشة في مهب الريح، ومن لا تاريخ له نكرة في سياق الوجود..!