يتنقل الشاعر البحريني قاسم حداد بقصائده المذهبة في كل نواحي بساتين الشعر، يزرع أشجاراً شامخة كشجر الحور من القوافي السامقة في شموخها ولغتها مخضرة كعشبة الليلك..
قاسم حداد بهدوئه المعهود ينقلك في مغامراته الشعرية حيث يأخذك إلى ضفاف المعاني المبتكرة وكأنه يقشر لك أنشودة الصباح، ورنين الليل يزاحم فيه رأس التمرد على الظلم والاستعباد.
وهو المسكون بالشاعر العربي طرفة بن العبد منذ طفولته وقد رافقه في حانته وزنزانته على حد قوله كما صاغ ضياع طرفة بن العبد في قومه (وظلم ذوي القربة أشد مضاضة..) في مقطوعته الشعرية الفخيمة يقول حداد:
«ضاع على رسله
أغفى على فرس ضائعة
أضاع بوصلة الوقت
أرخى خريطته كي يضيع
لم تضيِّع بلاد فتى مثله
ضيّعه الضائعون
كلما ضاع في ليل أحلامه
أضاءت له الخطواتُ الطريقَ
على رسله
ضائع ويضيع
ويحنو عليه الضياع».
فيبقى قاسم حداد متشجراً في عمق القصيدة بطلعها النضيد يأسرك بعذبها وعذاباتها في غربتها سمفونية تحمل كل الإيقاعات.. تبقى حياته الشعرية مناجاة دائمة للشعراء.. كما يتجلى في قصيدته (خطاطون)
(خطاطون):
يتناوب تسعة خطاطين على جسدي
بالقصب الطازج والآيات وحبر الجنة،
يهتاجون كتاج الهودج في العرس،
ويبتهجون،
ويفترعون عذاراهم في علانيةً.
خطاطون أصحاء،
ويختبرون صنوف الخط بعشقٍ مشحوذ الحرف.
أصابعهم تتوتر في غنجٍ من فرط الحب،
ويخترقون اللحم،
يكزون على عاج الفضة،
يطفر زئبقهم مختلطاً بالصهد
على جسدٍ مرضوضٍ بالخيل وشطح الخط.
يطغون بكحل العين على فودي،
ويرشح خمر الوجد على أطراف محابرهم،
ولهم رقع ينضح ماء الشهوة فيها،
يتدلى نصف كلام.. على ثلثي طنافسهم،
يجلون الثلث الأسود
مثل سيوف الحق الواضح في جسدي.
يتهجون الكوفة والبصرة،
ينداحون كخمر الهودج،
يختارون الناضج من قصب التذكار،
ويغتصبون الأبكار من الكلمات،
فينهض في جسدي جيش النوم ونرد الليل،
يدب البنج الأسود مثل الفتنة.
يستعرون، يزفون عذاراهم في جسدٍ يتغرغر بالرغبة.
ينهالون، يخطون الخط ويبتهلون،
....................
تسعة خطاطين أجلاء،
تؤيدهم روحي بالمحو،
فيضطربون ويختلطون بوحي الحرف،
ينزون الدم
ويمتزجون بشفرتهم في قصبٍ مختلج الأوداج
على جسدٍ يشبق في ليل ضحاياه، يكاد المعجز،
يلتهب النص على أعضاءٍ خاشعةٍ،
فتشب الشهوة في مذبوح الروح،
يهب الخطاطون
يلوبون بتسع مرايا موغلةٍ في السر،
يفضون الختم عن الأبواب التسعة
في أشلاءٍ خائفةٍ،
وكلام الله يزين بالأسماء زجاج المشكاة ويحرسها.
تسعة خطاطين
يذوبون لفرط الشطح
ومجد الجسد الذاهب في الشطرنج وزهر النوم.
** وفي الصمت كل ما لا يقال في حق الكبار.
** **
- محمد الشقاق