تعرض رواية (أوركيديا سوداء.. جحيم شاعر) للكاتبة المغربية سلمى الغزاوي معاناة بطلها الشاعر(فريد إبراهيم) رغم ما يوحي به سمته الخارجي من صفاء نفس فكأنه - كما يصف نفسه - البرج الذي يسكن إحدى شققه في مرسيليا؛ يبدو من الخارج شامخا وقويا ومميزا ولو نفذ أحد إلى أعماقه لاكتشف يأسه ومرارته وتعبه ووحدته خلف قناع الرجل المثقف الصلب.
فريد إبراهيم؛ أستاذ الفن المعاصر والشاعر المبدع من أصول مغربية. أبوه أحد أعيان وقادة الشاوية الجنوبية بالمغرب. ولد في مرسيليا من أم فرنسية، تعرَّف عليها والده بعد تخرجه من مرسيليا، وتزوجها على الرغم من أنها أرمل تكبره بعشر سنوات، لكن جمع بينهما الفن، فهو رسام وهي نحاتة.
تبدأ الرواية الصادرة عن دار (اكتب) في أزيد من أربعمائة وعشرين صفحة بحفل مناقشة الديوان الثالث للشاعر (سراب الحب) الذي توقف بعده عن الكتابة فقد أصابته متلازمة (الورقة البيضاء). ثلاثة دواوين رومانسية متتالية وَصَمَتْه بالشاعر الرومانسي وأصابه الملل من ارتباطه بهذا اللون، وود لو يخرج للناس بصورة مغايرة، لا سيما وقد أصابه ديوان سراب الحب بالغثيان لأنه يذكره بملهمته وحبيبته (كلير) التي تخلت عنه في وقت مضى.
ألَّف ديوانه (منفى الأبرياء) ليكون صرخة في وجه العنصرية البغيضة التي تفرق بين المهاجرين والمواطنين، فلم يلاق قبولا بين الناشرين، وكأنهم يريدونه ألا يخرج عن المسار الذي حبس نفسه فيه.
اختفى والد فريد في ظروف غامضة دون أن يُعَرِّفه على أصوله وبلده (المغرب)، وأمه الفرنسية ليست حريصة على أن يعرف ابنها شيئا من ذلك. حتى ديانته لا يعرف عنها شيئا فأبوه لم يعلمه الإسلام، وأمه لم تعلمه المسيحية..
بعد اختفاء والده بسنوات عثر مصادفة على دفتر مذكراته، فلقي فيه ما لا يمكن جمعه من أي مصدر آخر. عرف أسرار عائلته كلها بما في ذلك الجوانب السيئة منها.
كما قرأ في مذكرات أبيه أن والده جاء لمرسيليا عام 1946 لدراسة الفن، وأنه بعيد تخرجه وزواجه حصل خلاف بين جده وقائد آخر من قواد الشاوية انتهى بحرق منزلهم على من فيه، ونسبت الحادثة للمجاهدين المغاربة المناهضين للوجود الفرنسي. كما عرف أن أباه وقع في مأزق مالي بعد وفاة جده مما اضطره للجوء إلى (سيرجيو) رئيس مافيا تزوير اللوحات الفنية الشهيرة لحل مشكلته المالية، وظل يُزوِّر اللوحات لصالح العصابة، وحين فكر في ترك هذا العمل غير الأخلاقي هدده سيرجيو بأن حياته هي ثمن التخلي عنه. ومع ذلك أصر على موقفه وانتهى الأمر إلى اختفائه. الرواية الفرنسية تقول إنه صُفي من قبل الفدائيين المغاربة، لكن ذاكرته أسعفته بما يفيد تواطؤ أمه مع زعيم المافيا مما جعله يحطم صورها ومنحوتاتها، ويبدأ البحث عن سيرجيو للانتقام منه، لكنه اكتشف أنه قتل وحُلت شبكته قبل سنوات.
تساءل بعد أن اكتشف سوء سلوك أبيه: «أيهما أفضل ألا يتوغل في أسرار والده؟ أم تنخدش الصورة الذهنية المرسومة في ذاكرته عن والده المبدع؟
كان عليه أن يبحث عن ملهمة كملهمات دواوينه السابقة لتفك حبسة قلمه ويكتب ديوانه الذي كثرت تساؤلات المعجبين عنه. تعرف على إحدى طالباته من أصل كورسيكي وحاول إقامة علاقة معها لتكون ملهمته فساءها طلبه وانسحبت من حياته بعد أن كتب فيها نصف ديوان جديد.
بعد سنتين تظهر صديقته السابقة (كلير) وهي تشاهد مقابلة تلفازية يتحدث فيها عن فوز ديوانه الجديد (قلعة الشعراء) وعن صدور ديوانه (منفى الغرباء) ويتحدث بكل فخر عن الدعوات التي تنهال عليه للمشاركة في مهرجانات وحفلات وزيارات؛ منها دعوات لزيارة بلده الحبيب المغرب مما يدل على أنه تخلص من الجحيم الذي عاشه طيلة حياته!..
** **
- سعد عبدالله الغريبي