د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في إيران أزمة حقيقية، شعب يريد الفكاك، ومتسلطون يريدون البقاء، ومن لدية السلطة، يمكنه أن يستخدم وسائل كثيرة لتبرير الأزمة، وأسباب وجودها، وأن على الشعب أن يتحمل إلى حلول فرج قريب، حتى وإن طال أمده، كما هي حال الشعب الإيراني مسلوب الإرادة، وهذا يذكرني بتلك القصة المشهورة التي أصبحت مثلاً على ألسنة الناس، حيث جاء جار لجحا يريد أن يستعير حماره لقضاء بعض حوائجه فاعتذر له جحا بلطف بأن الحمار غير موجود، لكن الحمار نهق بصوت مرتفع أجّلكم الله، فسأل الجار جحا قائلاً: كيف تدعي أنه غير موجود، وها هو ينهق، أجلكم الله، فقال له جحا: ألك عذر أم حمار، وهو بهذا يقول تلطفت لك بالاعتذار، وكان بمقدوري أن أقول: لا، والأمر في الحالين يرمى إلي أني لن أعيرك حماري. هذا ما تفعله إيران بشعبها، فعليهم قبول ما تسوقه المبررات، لكنهم باقون.
من تلك المبررات تربص الأعداء بالثورة ونيتهم تدمير البلاد، وسلب الإرادة، وغيرها كثير، وحتى يمكنهم تسويق، ذلك لابد من أدوات، وهي كثيرة، ومن ضمنها ربط ما يجري في إيران بتعاون البعض مع دول الخارج، وربما الإيماء إلى أقليات معينة، وكذلك الخوف على الدين، والمذهب، والثقافة، وغيرها من الأقاويل، ونشر أقوال من يسير في ركبهم من مؤثرين سياسيين ومثقفين ورجال دين، كقولهم أن فلاناً قد توقع بزوال دولة من دول الأعداء، أو نزول معجزة من السماء، وغيرها كثير. ويقودنا الحديث ذكر ما حدث في الأندلس حول المورسكيين، ما بثته محاكم التفتيش عن نبوءة، تزعم كذباً أن شاباً عملاقاً مورسكياً له ستة أصابع في كل يد، سوف يتعاون مع دولة أجنبية لغزو إسبانيا، واسمه اليخاندور كاستيانو، لكن الشاب لم يظهر والغزو لم يقع.
الحقيقة أن إسبانيا، في ذلك الوقت قبل أكثر من أربعمائة عام ومن ضمنها الأندلس كانت تمر بوضع اقتصادي سيء، أصبح معه البحث عن لقمة العيش أمراً صعباً، وفي ظل هذه الظروف تكونت عصابات لقطع الطرق من المورسكيين، والنصارى القدامى على حد سواء، حيث لجأ البعض إلى الجبال حماية لأنفسهم، والهجوم في الصباح على الأبرياء، وحتى بعض رجال الكنيسة لجأ إلى إدارة بعض أوكار القمار، وخطف الأبرياء وبيعهم وكما هي العادة في ظل التدهور الاقتصادي لابد من إيجاد ذريعة للتنصل من المسؤولية وتعليقها بالآخرين، فقد أخذ الساسة ورجال الدين يعظمون الجرائم التي يقدم عليها المورسكيون، ويلصقون ما يحدث حتى من النصارى القدامى بهم، ولهذا فقد ساد كرههم، وعلا صوت من يدعون إلى التخلص منهم بأيّ شكل كان، والحقيقة أن تأثيرهم السلبي كان محدوداً مقارنة بغيرهم، بينما مساهمتهم الإيجابية أكثر بكثير نظراً لخبرتهم وكفاءتهم العالية جداً في مجال الزراعة والبستنة، والخدمات العامة، والمهن التي تتطلب مهارة، أو تلك البسيطة، التي يأنف منها النصارى القدامى.
حكام إيران في الحقيقة ليسوا ببعيدين عن الحال في ذلك الوقت، فالوضع الاقتصادي الرديء فعلاً، جعلهم يحملون غيرهم، أو جزء من مجتمعهم سوء حال شعبهم، لهذا فعندما تقوم مظاهرات داخل التراب الإيراني طلباً للقمة العيش، فإنهم يحملون الأعداء في الخارج، والمتعاونين معهم في الداخل، كما يزعمون، ويوجهون الرأي العام الإيراني لمزيد من الكراهية والبعض، مع علمهم أن الشعب الإيراني لا يطلب سوى لقمة عيش تقيم صلبه، وشربة ماء تطفئ ظمأه.
تماماً فإن الظلاميين والمتطرفين، يقتلون، ويبطشون باسم الدين، ومحاربة الفساد، ويعلم قادتهم أن ما يقومون به هو الفساد بعينه، بينما الأتباع الرعاع لا يحسنون شيئاً وإنما يساقون إلى الهلاك دون إدراك، بل زين لهم قادتهم، أنهم بهذا ينالون نعيم الدنيا والآخرة، وهذه مأساة حقيقة.
من فضل الله أن هذه الفئة الضالة بدأت في الانحسار نظراً لتعاون الدول واستخدام التقنية، وحرص القادة على قطع دابرهم، والخلاص من فكرهم. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحمي بلادنا، وجميع دول العالم من شر الأشرار، والمتربصين بالسوء، وكفانا الله وإياكم النفس الأمارة بالسوء.