د. محمد عبدالله العوين
لأول مرة أكتب يوم الجمعة بعد أن نقل رئيس التحرير هذه الزاوية من السبت إلى الجمعة في العدد الأسبوعي الذي يصدر لأول مرة ويضم عددي الجمعة والسبت معاً, وهي فكرة جديدة تدع يوم السبت إجازة مفتوحاً خالياً من قراءة الصحيفة أو الصحف التي ستتكاثر وتطبق هذه الفكرة لاحقاً, ومن غير شك أن ثمة دوافع أخرى لعل أبرزها الظروف المادية الضاغطة التي تحاصر الصحف الورقية ولم تُتخذ بعد قرارات إيجابية تعين المؤسسات الصحفية على الخروج من أزمتها أو تعاد هيكلتها ودمجها مع بعضها البعض في كل منطقة واحدة مثلاً أو تحويلها إلى صحف إلكترونية فقط.
لا يمكن لساحتنا الإعلامية أن تكون خالية من كتَّاب الرأي عبر الصحافة الورقية أو الإلكترونية, وربما تحتل المقالات والزوايا المرتبة الأولى في المطبوعة إن اتسمت بالشفافية والتجرّد والإخلاص في التعبير عن الرأي, لا صحافة بلا وطن, ولا وطن بدون صحافة؛ أياً كانت ورقية أو إلكترونية.
واليوم نحن نكتب في الورق, لكنه يرفع أيضاً عبر المواقع المخصصة ووسائط التواصل إلى القراء, فالفائدة متحققة بالوسيلتين.
وهذا يوم جمعة مبارك, تعوَّد الناس فيه أن يعود بعضهم بعضا, وأن يتزاوروا في ظهيرته أو ليله, وأن يتناولوا في أحاديثهم كل الشؤون والشجون مما يعرض في وسائل الإعلام من أخبار فيها السار المفرح وفيها الضار المؤلم, فتكون المجالس العائلية كما هو المعتاد في الأغلب الأعم بمثابة مجلس شورى مصغَّر تدور فيه الآراء وتسرد القصص وتتفرَّع الحكايات وتضرب الأمثلة ويرتفع الصوت حيناً وينخفض في أحايين أخرى ويتنقَّل الحوار كعادة المجالس بدون إدارة دقيقة محكمة من سالفة إلى سالفة ومن حادثة إلى أخرى كل واحدة منها تأخذ بذنب الأخرى أو تلحقها, على قاعدة (والشيء بالشيء يذكر) هذا نوع من لقاءات وجلسات ظهيرة الجمعة التي قد تمتد إلى قرب أذان العصر؛ فلا يفرق المجتمعين إلا موعد الغداء لكل أسرة في كل بيت.
وحين يزحف الوقت وتقبل ليلة السبت ينقلب الجد إلى هزل أو شيء قريب من الهزل, فلا طاقة للنفس بمواصلة جدل طال ظهراً ثم يمتد ليلتهم الليل كله أو بعضه, ولأنها ليلة إجازة مصبحة على يوم السبت الذي يطول في ضحاه النوم كما امتدح شاعرنا القديم الجميلةَ المدلَّلةَ التي لا تنهض بأي عمل؛ لأنها مخدومة محفولة مكفولة «نؤومة الضحى» من باب الترف والدلال والفراغ؛ فالنفس ليلة السبت توَّاقة إلى المرح واطّراح الجد, وما أمتعها وأجملها من ليلة.
كان طلال مداح يغني: أغلى الليالي ليلة الجمعة.. مذكورة بأول الدنيا وتاليها..!
وبعد تعديل الدوام كان عليه أن يشدو اليوم: أغلى الليالي ليلة السبت!
ليوم الجمعة في النفس عن الأحبة ذكريات وشجون وشؤون لا يمكن أن يمحوها الزمن من الذاكرة, فمن استطاع منكم ألا يدع فرصة للتواصل مع أحبته لا يدعها؛ فالزمن يفر من بين يدينا كقبض الريح.