فضل بن سعد البوعينين
لسنوات طويلة؛ اعتمدت المملكة على النفط كمصدر رئيس للطاقة، ولمواردها المالية، كما نجحت في استثمار الغاز المصاحب لخلق قطاع البتروكيماويات وتلبية بعض احتياجاتها المحلية. لذا لم تكن يوما من الدول الفاعلة في قطاع الغاز، بل إن كثيرا من خبراء الطاقة استبعدوا فكرة أن تكون ضمن الدول الرئيسة في الإنتاج والتصدير.
ومثلما أكدت شركات النفط البريطانية من قبل؛ استحالة اكتشاف النفط في السعودية، بعد محاولاتهم البائسة، التي أعقبتها محاولات ناجحة لشركة (كاسوك) الأميركية مكنتها من إنتاج النفط بكميات تجارية من بئر الدمام 7 والذي عُد باكورة حقول النفط والثروات الحالية؛ فقد قطع الخبراء أيضا باستحالة اكتشاف الحقول الكبرى للغاز غير المصاحب، وذهب بعضهم للاستهزاء بمحاولات المملكة في سعيها الدائم للبحث عن مكامن الغاز العملاقة.
شاء الله أن يُعاد سيناريو اكتشاف النفط، في قطاع الغاز وبحجم احتياطيات ضخمة تقدر بـ 200 تريليون قدم مكعب، ستقود المملكة للمرتبة الثالثة عالميا العام 2030. الأكيد أن اهتمام سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ومن خلال رئاسته اللجنة العليا لشؤون المواد الهيدروكربونية؛ بملف الطاقة وتركيزه على بدائلها، وتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة؛ فتح الباب أمام تطوير حقل الجافورة الضخم، وبما يسهم في تحقيق رؤية 2030 وتنويع مصادر الدخل، وبما يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة. احتواء حقل الجافورة على الغاز الرطب الذي يحتوي سوائل الغاز المستخدمة في الصناعات البتروكيماوية والمكثفات ذات القيمة العالية يزيد من أهميته وانعكاساته الاقتصادية.
«إستراتيجية الطاقة» من الإستراتيجيات المهمة التي تعمل القيادة على تحقيقها وهي لا تركز على الاستغلال الأمثل للطاقة، وتنويع مصادرها فحسب، بل وعلى استثمار الموارد المتاحة التي ترفد المالية العامة وتعزز من حجم الناتج المحلي واستقرار الاقتصاد. وأحسب أن الغاز أحد أهم الموارد المكتشفة مؤخرا، لذا جاء التوجيه الكريم بالبدء في تطوير حقل الجافورة لتحقيق أهداف مختلفة ومنها تلبية الطلب المحلي، والتوسع في تحويل محطات توليد الكهرباء للاعتماد على الغاز بدل النفط، وخفض الانبعاثات الضارة، وتعزيز النمو. إنتاج الغاز من الحقل سيقلل من عمليات حرق النفط لتوفير الطاقة وتحلية المياه، وسيوفر حرق 800 ألف برميل يومياً من النفط الخام العام 2030.
الإعلان عن تطوير «الجافورة» خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين يحمل رسائل مختلفة، وأهمها إصرار المملكة على المشاركة بفاعلية في معالجة ملف التغير المناخي الذي يعتبر أحد أهم الملفات الجدلية، وعزمها على ضخ استثمارات ضخمة لإنجاز خططها التطويرية للحقل، وتنفيذ رؤيتها الإستراتيجية في التشكيل الأمثل لمزيج الطاقة.
تحول المملكة من دولة تعتمد على النفط إلى دولة لديها الكثير من الموارد المعززة لمكانتها الاقتصادية، سينعكس إيجابا على قوتها السياسية وتأثيرها في المجتمع الدولي كما سيسهم في خلق شراكات اقتصادية أكبر مع شركاء أجانب حول العالم، ما يعزز ثقل المملكة وتأثيرها العالمي.
أختم بالتشديد على أهمية توجيه ولي العهد بأن تكون أولوية تخصيص إنتاج الحقل للاحتياجات المحلية، وهو أمر سيدعم إستراتيجية الصناعة، والطاقة، والبيئة في آن وسيسهم في دعم قطاعات الاقتصاد وتنويع مصادره، والتوسع في صناعة البتروكيماويات وتحفيز قطاع المعادن الوليد.