عبدالعزيز السماري
تظل الإدارة المفتاح السحري للنجاحات الكبيرة، لكنها في نفس الوقت قد تكون المعول الهدام الذي يقض آخر معاقل النجاح في أي مؤسسة، ومن أكثر أساليب الإدارة انتشاراً في العالم الثالث إدارة التفاصيل أو الإدارة المجهرية، والمهووسة بإدارة أدق التفاصيل لدرجة أنها تفقد رؤية الصورة الكبرى.
قد تحصل الإدارة المجهرية على نتائج قصيرة الأجل، لكنها لاحقاً تؤثر سلبًا على فريق العمل المؤسسي، فهي تضعف الإنتاجية، وتعطل القدرات في مهمة إنجاز النجاح الأكبر، لأنها تحولت إلى بارانويا تبحث في التفاصيل، ومع مرور الزمن تنفذ الجهود وتسقط الإنتاجية الحقيقية.
من مساوئ الإدارة المجهرية إن صح التعبير أن العمال أو الموظفين سيصابون بالشلل لأنهم لم يعد يدركوا ماهي حالة الرضا التي تبحث عنها الإدارة، ولذلك يتحول التنافس الإيجابي إلى سلبي، وتبدأ صراعات الإقصاء خارج مساحة العمل.
الإدارة المجهرية تحول الجهاز الإداري إلى حراس أمن، ولذلك يفقدون الحس القيادي لتحفيز الموظفين وتشجيعهم لرفع مستوى الإنتاج والإنجاز، وهو ما يجعل منهم أدوات تنفيذية في الإدارة المجهرية، وهي أشبه بمنظمات الحزب الواحد في دول المعسكر الشرقي في سالف الزمان، والذي كان يشعر بالأمان عندما يقبض بيد حديدية على مختلف المستويات.
الإدارة المجهرية هي بالضبط التي تعني أن شخصاً ما يحاول التحكم ومراقبة كل شيء في فريق أو موقف أو مكان، وقد يكون في بعض الأحيان مفيد في المشروعات الصغيرة، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى فقدان المدير المسار الصحيح للصورة الأكبر، وإزعاج فرق العمل من خلال التحكم المفرط بالتفاصيل.
في الإدارة المجهرية تبرز التفاصيل، وتغيب الصورة الكبرى، ولذلك تختفي الإنجازات الكبرى عندما يكون العمل الإداري منهكاً بالتفاصيل وبالتحكم في كل شيء، وبيت القصيد أن المدير المجهري لا يستطيع تصديق أن شخصا آخر قد يقوم بالعمل اللائق، لذلك يكون الحل القيام بكل شيء بنفسه..
قد يحصل على بعض النتائج التي يريدها في البداية، إلا أنه لا يمكن أن يستمر في هذا النهج، في النهاية، سوف يكتشف أن هناك 24 ساعة فقط في اليوم، وعليه إسناد مهام إلى الآخرين ذوي المهارات المتخصصة، وإذا لم يدرك موائمة الرؤية بين التفاصيل والصورة الكبرى سيصدم بالحواجز العملاقة في محيط العمل، وسيفشل..
خلاصة الأمر أن علوم الإدارة تختفي في فلسفة الإداري المجهري، وبرغم من تواجد عدد هائل من المدراء حوله، إلا أنهم يختفون مع مرور الوقت، ويتحولون إلى مشجعين على المدرج مدفوع لهم كامل الأجر، وتلك أزمة تعاني منها الثقافة الإدارية في دول العالم الثالث بشكل عام، لكنها متواجدة في مختلف دول العالم والثقافات..