محمد آل الشيخ
ثورة المعلومات، وسهولة الوصول إليها، ومن ثم تداولها وانتشارها، وتوظيفها في أغلب المجالات الحياتية، هي المؤشر التقني الأهم في بدايات القرن الواحد والعشرين، وأنا على يقين أننا ما زلنا في بداية تفعيل الفضاء الإلكتروني، فما زالت هناك تقنيات قادمة، سواء بالصوت أو الصورة أو بهما معاً، تستغل هذه المعلومات، سواء بالسلب أو الإيجاب.
وهناك كثير من الخبراء والمتخصصين في العلوم السيبرانية يؤكدون أن الحروب السيبرانية -مثلاً- هي التي ستكون وسائل أسلحة المستقبل، وبالتالي يمكن القول وبقدر كبير من العلمية، إن الإنسان من خلال الوسائل السيبرانية يستطيع أن يحدث من التخريب والتدمير، وربما السحق والإبادة، أضعاف ما تحدثه أسلحة التقنيات التي كانت متداولة في فترة ما قبل الإنترنت. كما أن ما يسمى بالأمن السيبراني وحماية فضائك الإلكتروني هو اليوم من أهم أشكال الأمن الوطني.
والسؤال الذي يطرحه السياق: ما هي الحروب السيبرانية؟
أبسط تعريف لها هي استغلال المعلومات الرقمية الموجودة على كمبيوتر ما من خلال شبكة الإنترنت أو أي شبكة اتصالات رقمية بهدف تعطيل هذا الكمبيوتر أو إعادة توجيه المعلومة لغير أهدافها أو التجسس عليه ليخدم هدف تخريبي.
وتقوم هذه الفكرة على جيش من القراصنة، أو (الهاكرز) الذين يستطيعون عن طريق الخداع، والتحايل، وزراعة الأفخاخ، أو اكتشاف ثغرة في الشبكة المتصلة بالكمبيوترات للتمكن من الدخول إلى الكمبيوترات المستهدفة، وتعطيلها أو سرقة المعلومات المخزنة فيها، والاستفادة منها بالشكل الذي يمكن للهاكرز من التحكم في الجهاز المستهدف.
وغنيٌ عن القول إن الكمبيوترات أصبحت الآن تدخل في كل المجالات الحيوية في حياتنا المعاصرة، ومن المتوقع أن يزيد اعتماد التقنية المستقبلية على الشبكات الإلكترونية، وأجهزة الكمبيوتر، الأمر الذي يجعل الأمن السيبراني من أهم أدوات الدفاع عن المكتسبات القومية بشتى أنواعها. فالكمبيوتر والشبكات الإلكترونية تستعملها المستشفيات والمختبرات الطبية، وكذلك المصارف في التبادل التجاري بالداخل والخارج، بل وحتى مولدات الكهرباء، ومنها التي تنظم كميات الطاقة في المفاعلات النووية، الأمر الذي يجعل اختراقها وتوجيهها يمس بصورة مباشرة الأمن الوطني للدول، وليس بالضرورة أن تكون هذه الشبكة أو تلك متصلة بفضاء الإنترنت، بل حتى الشبكات الداخلية المغلقة، يمكن التحايل عليها وتعطيلها متى ما تمكن قراصنة الاختراق الوصول إلى أرقامها أو كلماتها السرية.
وأتذكر أن الصديق الأستاذ عبدالله بن بخيت حينما كان يكتب قصته الشهيرة (شارع العطايف) دار حديث بينه وبين أحد الأصدقاء المحترفين في التهكير، وتحداه الأستاذ عبدالله أن يدخل إلى جهاز الكمبيوتر الذي يكتب عليه القصة في منزله، فما كان من (القرصان) إلا أن تناول (لاب توب)، وفي عدة دقائق وصل بالفعل إلى القصة كما هي على جهاز الكمبيوتر. وأنا أحد الشهود على هذه القصة.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن علم السيبرانيات بقدر ما هو علم نافع لعالم اليوم ويخدم الإنسانية ويسهل الوصول إلى كثير من المخترعات والمكتشفات، إلا أنه -أيضاً- قد يشعل حرباً قد تنهي الوجود الإنساني على هذا الكوكب، فيما لو تسلط أحد الإرهابيين العباقرة، ووجد ثغرة في شبكة ما تمكنه من الولوج إلى المفاعلات النووية -مثلاً- التي تنتشر في أرجاء العالم كافة، ووجهها بما يخدم أهدافه الشريرة. وهنا مكمن خطورة التواصل السيبراني.
إلى اللقاء