د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
لم يعد الاستياء الشعبي من الحكومة الإيرانية ظاهرة جديدة في بلاد فارس، فقد أفضى الوضع السياسي المضطرب منذ سنوات والمشاكل الاقتصادية المتفاقمة إلى عدم رضا السواد الأعظم من الشعب الإيراني، إلا أن إخراج الانتخابات التشريعية الإيرانية مؤخرا في شكل مسرحية سياسية ظاهرها ديموقراطياً وجوهرها ثيوقراطيا، زاد من وتيرة عدم الرضى ووسع الهوة بين الشعب والحكومة، رغم نجاح الحكومة ولو مؤقتاً في كبح جماح ذلك الاستياء.
لقد أدت هيمنة المتشددين وإصرارهم على تطبيق أسس عقيدة ولاية الفقيه على مبادئ حرية الرأي وحق الترشح والانتخاب، إلى خيبة أمل التيار الإصلاحي بل وأضعفت المشاركة الشعبية في اختيار من يمثله في مجلس الشورى، والتي كان الناخب الإيراني يعول عليها كثيراً في إحداث تغيير حقيقي أو السماح كحد أدنى بمستويات محدودة من الإصلاح السياسي، وهو ما دعا المرشد الأعلى للتدخل في مجريات الانتخابات وإصدار دعوة عامة إلى ما يزيد على 58 مليون ناخب بوجوب المشاركة بحماس في الانتخابات كونها واجب ديني كما مُددت عملية الاقتراع لأكثر من خمس مرات أمام الراغبين في المشاركة بالانتخابات.
إن قيام مجلس صيانة الدستور - الجهة الرقابية وصانع القرار النهائي في كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية - برفض حق الترشح للعديد من الإصلاحيين والتقدميين في الانتخابات التشريعية من خلال إقصائه ما يقارب 7296 طلب ترشح بحجة عدم الأهلية، هو ما حال دون استيعاب النظام السياسي الإيراني للعملية الديموقراطية بل ويفسر ولو جزئياً سبب عدم إتاحة النظام الفرصة لظهور نظام ديموقراطي حر أو الدخول في عملية انتقالية نحو التحول الديموقراطي.
وكانت قد دعت كثير من الأصوات المعارضة في الداخل والخارج الإيراني إلى مقاطعة الانتخابات، بعد رفض مجلس صيانة الدستور أسماء عديد من المرشحين الإصلاحيين، وهو ما رفع نسبة الممتنعين عن التصويت، وفسرته واشنطن بأنه تلاعب من السلطة بالانتخابات وفقاَ لتصريح وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوتشين والذي أكد «أن إدارة ترامب لن تقبل بالتلاعب في الانتخابات لترجيح كفة الأجندة الخبيثة للنظام» وفرضت على أثره عقوبات على خمسة مسؤولين إيرانيين كانوا مكلّفين بفحص طلبات الترشّح من بينهم أمين مجلس صيانة الدستور أحمد جنّتي، ويأتي هذا الإجراء ضمن سياسة حملة «الضغوط القصوى» التي تفرضها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب على النظام الإيراني.
إن سيطرة الثيُوقراطيين على مفاصل النظام السياسي بالبلاد وإصرار المتشددين منهم في السلطة على التقيد بنصوص وروح مبادئ «عقيدة الولي الفقيه» التي يؤكد أحد مبادئها على «أن القيادة السياسية حق حصري لرجال الدين دون سواهم» هو ما يحول دون حدوث إصلاح للنظام السياسي هناك ويقف حجر عثرة أمام محاولات تحويله إلى نظام ديموقراطي حر يختار الشعب من خلاله قياداته في انتخابات حرة ونزيهة.