عماد المديفر
سألني أحد الزملاء: كيف تنظر إلى إعلان الجيش الوطني الليبي تعليق الهدنة واستئناف العمل العسكري ضد ميلشيات الوفاق؟ وهل ستعتبره تركيا تصعيداً، وبالتالي سيجلب - من جانبها- تصعيداً مقابلاً؟ وكيف سيستقبل المجتمع الدولي ذلك؟
قلت له: سؤالك عجيب غريب! كيف يكون دفاع الجيش الوطني الليبي الذي يقف خلفه البرلمان الليبي - الممثل للشرعية في ليبيا بعد انتهاء ولاية حكومة الوفاق المسيطر عليها من تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي - كيف يكون دفاع هذا الجيش الوطني عن شعبه وتراب وطنه وخيرات بلاده من التدخلات والاعتداءات التركية السافرة، والميليشيات الإرهابية المسلحة، والمرتزقة التابعون للجيش الإخواني السوري المسمى بـ»الجيش الحر» والمجلوبون من تركيا إلى ليبيا والعالم كله يتفرج، دون أن يحرك ساكناً، ويوقف الأتراك عند حدهم؛ كيف تعتبره تصعيداً؟!
كان ينبغي أن يكون سؤالك العكس تماماً.. فالتصعيد هو من الجانب التركي.. والملام ليس الجيش الوطني الليبي الذي علق الهدنة حين شعر أنها مجرد خدعة لكسب الوقت، ولتلتقط الميلشيات الإرهابية التابعة لحكومة الوفاق الإخوانية أنفاسها، وترتب صفوفها، وتجلب المزيد من المرتزقة والإرهابيين والأسلحة عبر تركيا، للانقضاض على الجيش الليبي والشعب الليبي، فاستمرار الهدنة تحت غطاء المفاوضات المزعومة خدعة مكشوفة، ولعبة قذرة، وطعم خطير.. ليس في صالح الجيش الوطني الليبي الذي علم أن لا حل معهم إلا القوة العسكرية، وهو ما صرح به اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي. وعليه فالملام في ذلك هو المجتمع الدولي الذي يشاهد تركيا وهي تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 1970 ولا يحرك ساكناً!
فالذي صعد وصرح علناً بتدخله العسكري في ليبيا هو أردوغان وبرلمانه، والذي يسرق الأموال الليبية هي تركيا وعملاؤها في حكومة الوفاق، أطماع تركيا في ليبيا حقيقية، وكبيرة، صحيح أن الاقتصاد وأطماع تركيا في حقول الغاز والنفط محرك أساسي كبير، لكنها ليست كل الحكاية.. إذ الاستراتيجية الجيوسياسية الجديدة لتركيا أيديولوجية بقدر ما هي عسكرية واقتصادية. فمخطط تركيا للمنطقة على النحو المحدد في وثائق تركية موثقة هو أن: «تغطي أراضي الدفاع الجديدة لتركيا نهاية الغرب والجنوب من جزيرة كريت اليونانية ومقر قيادة القوة التركية المشتركة المطلة على مضيق هرمز في قطر وقيادة فرقة العمل التركية الصومالية في مقديشو، على ساحل المحيط الهندي، وتريد تركيا الآن تعزيز خط دفاعها في ليبيا». ولن تتوقف حتى تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي بقوة السلاح، وتحت غطاء الدمى الليبية.. عملاءها من إخوان ليبيا في حكومة السراج.
علينا أن نعي أن تركيا لا تعمل هناك كردة فعل.. بل كفعل ابتداءاً.. وهي تلقي بكامل ثقلها معولة على سيطرة جماعة الإخوان على مفاصل ليبيا، بما في ذلك الجهات التمويلية وعلى رأسها مركز ليبيا المصرفي والمصرف الليبي الخارجي وصندوق النقد والاستثمار الاقتصادي والاجتماعي، وهي مؤسسات ذات إيرادات عالية، سجلت تداولاً بمليارات الدولارات، وهنا أشير إلى تصريح وزير التجارة التركي، بشأن رفع الصادرات التركية لليبيا إلى 571 %، وزيادة التبادل التجاري البيني إلى 4 مليار دولار سنوياً، وعندما تعرضت الليرة التركية للهبوط في 2017 و2018، قامت حكومة الوفاق إنفاذا لأوامر أردوغان بإيداعات وصلت لأكثر من 210 مليون دولار في ودائع بنكية لصالح الحكومة التركية، ولا تزال حكومة الوفاق تضخ ملايين الدولارات للخزينة التركية، وليس ذلك فحسب، بل تطور الأمر إلى قيام السراج بمنح تركيا - بالمجان- من الثروات الطبيعية الليبية - فيما يعد خيانة عظمى- من خلال توقيعه غير القانوني على اتفاقية -لا تصح- تم بموجبها إعادة ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين!
إن أردوغان يسعى للسيطرة على الأراضي البحرية من قبرص إلى الصومال؛ لتحقيق حلم الإمبراطورية العثمانية، وهو مشروع حقيقي يعمل عليه الأتراك تحت اسم «العثمانية الجديدة» وجزء منه مدفوع بالمصالح الاقتصادية في تأكيد السيادة والسيطرة على رواسب الغاز خارج قبرص وتعطيل مشاريع الغاز المشتركة بين مصر واليونان وقبرص.. وهنا أشدد أيضاً أن المشروع التركي لا يقف عند ليبيا.. بل يمتد لمصر! إذ هي مستهدف رئيس كذلك من تلك التحركات. ولكل من يتطلع إلى تفسير تحركات تركيا في تلك المنطقة، يجب أن يفهم أن أنقرة تنتهي إليها كافة خيوط التحكم في دمى الإسلام السياسي والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.. فهي توظف الآيديلوجيا، وتحرك العملاء المحليين في البلدان العربية لتحقيق أطماعها التوسعية؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية على أساس حدود الحقبة العثمانية. والشواهد على ذلك كثيرة.. وحزب النهضة التونسي أحدها.