سعد بن دخيل الدخيل
محافظة ثار في منطقة نجران محافظة مكتنزة تاريخياً، غنية بالأحداث والآثار، كآبار حمى والعديد من النقوش الأثرية الثمودية والسبئية، ونقوش خط المسند، إضافة إلى رسوم آدمية ورسوم صيد ورعي، يمتد تاريخها إلى ما قبل الميلاد؛ وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية الموقع للقوافل والتجمعات البشرية على مدى آلاف السنين. وآبار حمى هذه ما زالت تنضح بالماء العذب. ويعتقد الكثير من سكان المنطقة بنَسب تلك الآبار إلى النبي سليمان عليه السلام، وأنه هو مَن حفرها في طريقه إلى سبأ. وأم نخلة والقراين والجناح وسقيا والحماطة والحبيسة أسماء يحفظها العارفون بتلك الآبار الست التي كانت محطات تزود القوافل بالماء، التي نقلت البخور والبهارات من جنوب الجزيرة العربية إلى الشام ومصر وبلاد الرافدين وفارس. هذه المدينة الواقعة بين الجبال المرتفعة والكثبان الرملية والسهول المنبسطة، وتتخللها العديد من الأودية المتجهة، احتضنت في معمعة إنهاء الملك عبدالعزيز الصراعات الداخلية والخارجية، حتى وحّدها وأطلق عليها المملكة العربية السعودية عام 1351هـ، شاباً في الثامنة عشرة من عمره (وُلد عام 1333هـ)، وعاش في بيئة انعدم الأمن فيها، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي الذي صاحب معظم مناطق الجزيرة العربية، منها منطقة نجران، لاستمرار الأطماع اليمنية وقتها لضم نجران وغيرها من المواقع المتاخمة لليمن. عاش هذا الشاب بين رعي الغنم والإبل، وبين حرث وحصاد المحاصيل الزراعية المتواضعة، وهو يطمع في الاستقرار وجودة الحياة، وإتاحة الفرص له ولأمثاله الشباب في بناء حضارة، يحيط بها الأمن والأمان. وحين استقرت بتوحيد المؤسس وجد القائد الملهم الذي يؤمن بقدراته وبفكره؛ فيتعلق به لتحقيق ما يصبو له؛ فقد استمع ذلك الشاب بشغف إلى كلمات الملك عبدالعزيز التي تُنقل عنه، وأيقن أنها لا تستهدف استدراج الشباب ليكونوا ميليشيات تقاتل جواره، ولا تحمل فكراً توسعياً طامعاً، يرغب في أن يقاتلوا معه لتحقيقه، بل كلمات تحمل الصدق والإخلاص؛ كونها تبني الإنسان، وتُجوّدُ حياته، وتطوِّر بيئته، وترسم رؤية تجلب له ولبقية الشعب الأمن والحياة الكريمة مستمدة قوتها من الإيمان بالله، ثم الولاء للوطن، والتعايش الإيجابي بين مختلف أطيافه؛ فأُعجب هذا الشاب بهذه الرؤية، وأصبح يحلم بأن يشارك فيها، ويكون أحدة البناة لها؛ وقرر الرحيل عن ثار، والانطلاق في رحلة الحياة الجديدة؛ ليقابل المؤسس المهم عبدالعزيز، ويكون تحت لواء رؤيته وأهدافه التي رسمها.
انطلق الشاب هادي بن صالح بن شحمان من آل مخلص الوعلة من يام، ويعرف وقتها باسم هادي آل شحمان. وآل مخلص الذين هو منهم هم أهل كرم ونخوة وشهامة ووطنية وأصالة عربية فريدة، وقد قال قائلهم:
لو للفخر يمّه فحنا اليمّه
وشيوخنا لأعتى الخصوم تخلّص
يريّح أعصابه ويجلي همّه
من محزمه قبيلة آل مخلّص
وصل الشاب آل شحمان إلى الرياض التي تحتضن قائده الذي ألهمه، وأوقد جذوة التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في داخله، وعلم حين وصل أن مسيرة التطور والحضارة قد بدأها الملك عبدالعزيز بتوقيع اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول مع شركة أمريكية في 5 صفر من عام 1352هـ؛ فأسرع بالخطوات للملك شوقاً، وفي مخيلته صوت الناس وهم يقولون في فرح وحبور وبصوت واحد عالٍ: «الملك لله ثم لعبدالعزيز»، فيسأل نفسه متمتناً: أين عبدالعزيز؟ وفجأة وجده أمامه بتواضعه، ولين جانبه، لا يختلف عن غيره من الناس في ملبس ولا مشرب ولا مأكل، لكنه عرفه بشموخه والكاريزما التي أحاطته، فقال له دون تردد أنا هادي آل شحمان، أتيت لأشارك في مسيرتك لهذا الأرض بعد توحيدها وفق ما تراه، ففرح به المؤسس، ووجد أنه صادق في أقواله، وسيكون مخلصاً في أعماله، فكان هناك قافلة للملك عبدالعزيز تقصد الأحساء؛ فألحقه بها بعد أن منحه بعض المال. وكان من كرم المؤسس أن يكرم كل من في القافلة بالمال. وقد استغرقت رحلتها للأحساء أكثر من أسبوع.
وحين وصلت القافلة للأحساء وجد الشاب هادي آل شحمان أن شركة التنقيب التي وقّع معها الملك عبدالعزيز الاتفاقية تحتاج إلى من يقوم بالمساعدة في حفر الآبار والتنقيب عن النفط؛ فانضم لهم، واتجهوا به إلى الدمام، وبدأ العمل هناك، وأمضى في ذلك العمل أكثر من 7 سنوات، وكان في أول تلك المدة تحت أحد خبراء التنقيب من المهندسين، يعلّم هادي آل شحمان اللغة الإنجليزية؛ ليقوم بالترجمة لبقية العرب ومن لا يتقن اللغة الإنجليزية، حتى لقبوه بالمترجم.
ترك هذا الشاب هادي العمل بعدما تسلح بالخبرة والمال، وبدأ في ممارسة التجارة بنفسه، وأخذ في التنقل بين ثار والمدن المختلفة من مدن المملكة العربية السعودية. ولا يزال يحفظ للملك عبدالعزيز صنيعه بمساعدته في التوجه في قافلة الأحساء، ومنها إلى الدمام؛ ليشارك في التنقيب عن النفط، والمساهمة في تكوين اقتصاد جديد للوطن. وفي عام 1360هـ علم أن الملك عبدالعزيز في رحلة استجمام بمخيم أقامه في روضة خريم فاستعان بسائق سيارة لوري؛ ليقابل الملك عبدالعزيز، ويهدي له بعض الهدايا التي تعبر عن الحب والولاء، فقبلها الملك، وطلب أن يمكث عنده بعض الوقت لإكرامه، فبقي عنده ليرافقه في صيد الأرانب والحبارى، وبعد أسبوع ودّع هادي الملك عائداً لأهله وتجارته.
وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فها هو الأمير محمد بن سلمان قد أصبح أيقونة الوطن بفكره وهمته وطموحه وإصراره، وتحول إلى رمز وطني وشبابي، وبدأ مسيرته برؤية تطويرية، تحمل التغيير على الأصعدة كافة، حتى أصبح ملهماً للشباب، وقدوة لهم في الجرأة والإقدام والعمل والإصرار، مشابهاً جده المؤسس عبدالعزيز حين أحبه الشباب - ومنهم هادي آل شحمان - فحلقوا معه في فضاءات الإصلاح والتغيير. فخطوات المؤسس هي خطوات محمد بن سلمان، والأهداف هي الأهداف، وإن اختلفت الأدوات؛ فالنتائج واحدة، وهي وطن فوق هام السحب، يحلق وفي معيته شعب جبار وعظيم، صاحب همة مثل جبل طويق، لن تنكسر.
فالملك المؤسس انطلق في رؤية عصرية نوعية بعدما لملم الشتات، ووحد المتراميات. والشعب أمام هذه الرؤية في انبهار؛ كونها تحمل تغييراً لم يعتادوه، وتحولات على الأصعدة كافة، كالاقتصاد عبر الاتفاق مع شركات التنقيب والحفر لآبار النفط وبناء المصارف وتأسيس مؤسسة النقد، والاتصالات بجلب التقنية الحديثة وبناء النظم والقوانين لها، والتعليم بتعزيز بيئته المدرسية والتوسع في الدراسة النظامية؛ فأسس لها مديرية المعارف؛ ليكون التعليم وفق أساليب وطرق تدريس حديثة، ومناهج وفق معايير عالمية، والصحة باستقدام الأطباء؛ ليجعلهم نواة نظام صحي مميز؛ فشيّد المستشفيات، ووزع الأدوية بالمجان، والأمن بتأسيس الأنظمة الأمنية، وأسس الشرط، وابتعث أبناء الوطن لدراسة الأساليب الأمنية الحديثة. ولم يغفل المؤسس الثقافة والترفيه والإعلام؛ فأسس الإذاعة، واهتم بالصحافة والموسيقى، وجعل الأمير فيصل (الملك) مشرفاً عليها؛ لتحظى بالدعم والمؤازرة العليا. وما نراه اليوم من تطور وتقدم في عهد سلمان الحزم ما هو إلا امتداد لما سطره الملك عبدالعزيز من صفحات بيضاء في تاريخ البلاد، وها هو سلمان الحزم يقود البلاد على خطى المؤسس.
إن ما جاء في رؤية المؤسس قد تطابق مع رؤية أيقونة الوطن (ولي العهد الأمير محمد بن سلمان)، وكأنها هي الرؤية ذاتها؛ فقد اعتمد الأمير محمد بن سلمان على الشباب، ومكّنهم، ومنحهم فرصاً مختلفة، وتبنى مبادراتهم، وشجعهم على الإبداع، بل مكّن المجتمع في مجالات الحياة ذات، كالأعمال والأدب والثقافة والعلوم الاجتماعية والتقنية. وكما مكّن الملك عبدالعزيز الشاب هادي آل شحمان من المساهمة في التنمية بتبنيه وتشجيعه ودعمه فقد اعتبر الأمير محمد بن سلمان الشباب هم القوة الحقيقية لتحقيق رؤية الوطن 2030، وأكّد أنّها لن تتحقق إلا من خلال الشباب السعودي الواعي القوي المثقف المبدع، صاحب الهمة والقيم العالية الرفيعة. وكذلك من خلال مساهمة المرأة وتمكينها؛ فالمرأة السعودية باتت حاضرة ومبدعة، سلاحها العلم والمعرفة في المجالات كافة.
حين بسط الموحد نفوذه، وأعلن قيام دولته، وشرع في بنائها، ذاع صيته، واهتم العالم به، وأصبح هدفاً للصحفيين والإعلاميين، ووصفوه بأوصاف تدل على عظمة في الفكر والإدارة.. فمجلة لايف life الأمريكية نشرت مقابلة مع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في عددها الصادر في 31 مايو 1943م، وتصدرت صورته جالساً على كرسيه غلاف المجلة، مبينة أهمية تلك الشخصية السياسية، مع عنوان كبير على الغلاف: ابن سعود «ملك صنع مملكة».
في حين اعتبرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «عراب مرحلة التغيير التي تمرُّ بها السعودية»، من خلال رؤيته طويلة الأمد لإيجاد بيئة صحية في مجال السياسة والاقتصاد، وجعل السعودية بلدًا ذا مكانة اقتصادية بعيدًا عن المجال النفطي.
وبفخر واعتزاز؛ فأميرنا الشاب، وشمس هذا الوطن، وملهم الشباب والشابات، هو رمز للإصلاح والتغيير في الداخل والخارج. كيف لا وهو يسهر، ويسافر، ويفكر، ويخطط، ويتفقد، ويدرس، ويعقد اتفاقات، ويحضر اجتماعات، وينفذ البرامج، ويدير رؤية المملكة، ويحارب الفاسدين في الداخل، والمتربصين من الخارج.. كل ذلك لتصبح المملكة العربية السعودية - كما قال - «أوروبا الشرق الأوسط».