د. خيرية السقاف
في الصبح كما سرب العصافير تجتمع على البذور والماء، والنحلات حول الخلية،
وغصون البنفسج تلتف على بعضها، وزهر الياسمين يبوح بشذاه؛
يحدث أن يفعل ذلك الناسُ بعضهم في معية بعض..
يتحلقون حول كلمة طيبة، يهرعون إلى نبع مخيلات سخية، يصغون معاً لتلاوة رخيمة..
والصبح بهم يشدو بلقطة خضراء، أو بلحن عذب، أو بشذرة معبِّرة..
تجري أنهار نفوس تستيقظ سمحة، نقية، نسيت في النوم آلامها، وتخلصت من أدرانها،
واكتنزت براحة وطمأنينة حتى وإن كان واقعها مثلوما بفقد، أو مألوماً من ظلم،
أو مكسوراً بحد، أو مجروحاً بخيانة، أو مثقلاً بدين، أو مكروباً بفاقة..
مهما اختلفت مظالمهم، ومصادر آلامهم، وأشكال جروحهم، وثقل حاجاتهم، وعمق فاقتهم، ووخز أمراضهم لكنهم مسرات الصبح، ورسل السلام فيه ....
الناس في الصباح يلتقون بأسرع، وأيسر السبل، في فسحة التواصل، حتى قبل أن يغادروا ألحفتهم، وقبل أن يغسلوا وجوههم يستيقظون بالرضا يعمر قلوبهم، وبالسلام يرطب كلامهم، وبالسكينة تغشى وئامهم..
وبعد أن يفرغوا من الوقوف بين يدي الله وقد تطهرت جنوبهم، وفاضت بهم روحانياتهم في لحظات مع الله فينسيهم كل الذي فيهم ...
إنهم رفقاء الصبح الذين يحيِّيوننا بكلمة طيبة، وبمشاركة صادقة ...
هؤلاء يمسحون دكن الدنيا، وظلمة محطات الحياة فيها،
هؤلاء يجعلون من ضيق الموقف سعة المسار،
ومن صمت الحسرة صوت البهجة،
ومن ألم الخسارات طمأنينة المكاسب..
تعرفهم حين تجدهم معك في الصباح يقولون: لك صباح الرضا، والفلاح، والسلام، والخير..
تنسى عندها أن يوماً سيمر بك لا تعلم بأي أثقاله سوف تضع في الليل رأسك لتنام،
لتعاود الأمل بصباحهم المشع..
الحياة بلا ريب جميلة بالطيبين..
إنهم نعمة الله الكبرى..