عمر إبراهيم الرشيد
عندما عزمت بريطانيا على الرحيل عن الهند عام 1947 بعد احتلال دام قرابة قرن من الزمن، قامت كعادتها في كل بلد تحتله فلا تتركه دون تقسيم وذلك بهدف إبقائه ضعيفاً تابعاً قدر الإمكان، قامت بتقسيم الهند على أساس طائفي، فقسمتها إلى الهند وباكستان، ثم قامت كذلك بتقسيم إقليم البنغال إلى شرقي يتبع باكستان، وغربي يتبع الهند، وهذا هو منهجها في جميع مستعمراتها. وفي عام 1948 أعلنت باكستان أن اللغة الأوردية هي اللغة الوطنية الوحيدة في البلاد ما أثار حفيظة البنغاليين بتجاهل لغتهم، إلى أن جاء يوم 21 من فبراير عام 1952 حين قاد طالب في جامعة دكا مظاهرة احتجاج للمطالبة بالاعتراف بلغتهم الأم، فكان أن قمعت القوات الباكستانية تلك المظاهرة وقتلت أربعة طلاب.
واصل البنغاليون احتجاجهم مدعومين من الهند حتى نالوا اعتراف الحكومة الباكستانية بلغتهم كلغة وطنية ثانية وذلك في 29 من فبراير أيضاً عام 1956، وإلى أن نالت بنغلاديش استقلالها عن باكستان عام 1971 فأصبحت لغتها البنغلاديشية هي اللغة الرسمية للدولة! هل اكتفى البنغاليون بهذا الانتصار للغتهم ورفع شأنها، لقد نظَّمت الجالية البنغالية في كندا حملة لدفع اليونسكو والأمم المتحدة لاعتبار يوم 21 من فبراير من كل عام يوماً للغة الأم، وهو يوم الشهيد بالنسبة لهم لمقتل الطلبة الأربعة في المظاهرة كما قلت، فكان أن نجحت تلك الحملة وبدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ عام 2000م. ليس بمستغرب بعد هذا حين نرى بنغلاديش وهي من أعلى الدول نمواً (8 %)، وهي التي تصنع الملابس لأشهر الأسماء التجارية العالمية، عدا عن انتشار البنغاليين في دول العالم غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً بحثاً عن فرص العمل والرزق وتحويل مدخراتهم إلى وطنهم. لقد توصل علماء التربية وخبراء التعليم إلى أن تعليم المواد العلمية للطلاب بلغتهم الأم أجدى من تعليمها بلغة أجنبية، وذلك من ناحية الاستيعاب ومن ثم القدرة على التميز والابتكار كل حسب قدرته بالطبع، بل إن إتقان اللغة الأم أو الإلمام بأصولها مدخل إلى تعلّم لغة أجنبية، وهذا ما دفع دولاً غربية مثل ألمانيا على فتح فصول لتعليم أبناء المهاجرين لغاتهم الأصلية إدراكاً لهذه الحقيقة. فهل تعي جامعاتنا هذه الحقيقة وهي تعترف بضعف مخرجاتها بسبب تعليم تخصصاتها العلمية باللغة الإنجليزية، فلا الطالب أجاد اللغة الإنجليزية ولا هو أجاد تخصصه العلمي، وقد يستثنى طلبة الطب لأنهم يمارسون ما يتلقونه عملياً في المستشفيات. لغتنا العربية تشهد انتشاراً سريعاً في العالم وهي لغة خالدة بخلود القرآن الكريم، فأحرى بنا تبسيط مناهجها وتعليمها عبر المسرح والوسائط العصرية لأنها لغتنا الأم! طابت أوقاتكم.