سام الغُباري
نظرني من وراء عدستين سميكتين، متأملًا، وكنت جالسًا أمامه منذ ست ساعات، أقرأ، أدخن النارجيلة، أتصفح الهاتف، أنقر على صفحة فيسبوك، أبتسم، أقطّب حاجبيّ، أرد على اتصال هاتفي، يصرخ الرجل من الجانب الآخر: هل حقًا كتبت ذلك؟، يمتقع وجهي ويهوي شيء ما خلف أضلعي إلى أسفل، أتردد في الإجابة، ثم يأتي صوتي مبحوحًا كالفحيح: نعم كتبته!، فيرد الرجل مستنكرًا: وهل هذا وقته ؟!، أصمت.. يُضيف حالفًا: والله إني هدأت «أنصار الله» اليوم وقد عزموا أن يعيدوك إلى سجنك!.
أحسست صدري خاويًا، وشعرت بالجوع!
تنحنح صاحب العدستين وقد وضعهما جانبًا وشبك أصابعه متحدثًا بصوت قديم كأنه جاء من غيابة الجُبْ: إن كُنتَ تُصِر على الكتابة فارحل، ثم أشار بسبابته محذرًا: ولا تتركني هنا!
لكني تركته، لم تكن «الهِجرة» تحتمل أحدًا غيري، أنا وذاتي، ومخلاتي على ظهري مثل درويش، أبحث عن منفذ لم تأكله قذائف العدو الحوثي. بعد أعوام أطلّ «صاحبي» من شاشة الإيمو عجوزًا جِدًا، طحنه الشيب، وتفككت أسنانه، ظهر في ظِلال الضوء الخافت مثل عفريت، فأفزعني، قال محاولًا الابتسام: من أجل هذا قُلتُ لك لا ترحل دوني.
لم أُجِبْ، تلمّست شاشة الهاتف بأصابعي، ورأسه يدور مثل وحش يحتضر، أسمع شهقات أيامه الأخيرة، هناك حيث كانت «صنعاء» تُقرن بالسعادة، أطلت سُلالة الزومبي تلاحق السُعداء فتقذف بهم إلى الجحيم
أنا آسف جدًا يا صديقي!