د. محمد عبدالله الخازم
هذا المثل القديم سبق أن استخدمته في سياق مقال آخر، وأعيده لتوضيح الفرق بين الدعاية والإعلان والعلاقات العامة. لو افترضنا أن هناك فريق سيرك سيزور المدينة للقيام ببعض العروض، فإن الإعلان أو التسويق لتلك العروض يتمثل في وضعك لوحات أو إعلانات تشير إلى موعد وصول الفريق وعروضه المختلفة. أما العرض الترويجي فيتمثل في وضعك لافتة على ظهر فيل السيرك والسير به في المدينة. وتكون الدعاية بأن يدعى العمدة لحفل السيرك.
تبقى العلاقات العامة حينما يضحك العمدة بصدق أو يتحدث عن جودة عروض السيرك. بمعنى آخر العلاقات العامة هي أن يتحدث عنك الآخرون سواء كانوا نقادًا أم أناسًا مصدر ثقة في تقييمهم. وفي النهاية نجاح المبيعات يكون في تزاحم الجمهور على شراء التذاكر.
ترى كم من جهة يتحدث عنها الآخرون دون أن تقوم هي بالإعلان والتسويق والدعاية والترويج لنفسها؟ جل الأخبار في وسائل الإعلام هي من صنع الجهات التي تتحدث عن نفسها لكنهم يتجاوزون ذلك بتصنيفها علاقات عامة. وتكسب أقسام العلاقات العامة رضا الإدارة العليا كلما ضخت أخبارًا ترويجية ودعائية وتصدق الإدارات بأن لديها علاقات عامة نشطة، كلما كثرت أخبارها في مختلف وسائل الإعلام. وأحيانًا كلما تكررت صور المسؤول وتصريحاته!
الأسوأ هو حينما تكون تلك الدعايات والإعلانات الظاهرة في شكل أخبار تحمل المغالطات أو تخفي الحقائق ويتم ترديدها بشكل متواصل حتى يصدق الناس بصحتها من مبدأ القاعدة الإعلامية الذهبية القائلة «كرر الكذبة مرات ومرات حتى يصدقها الناس». يعتقد بعض القادة أن صنع صورة ذهنية عن المؤسسة أو عن شخصه القيادي يتم بتكرار الترويج الدعائي للأخبار المرسومة حول صورة ما، قد تكون مزيفة، وقد تكون مجرد صورة (تلميع) للمسؤول.
أعرف مسؤولاً يعتبره قصورًا من إدارة العلاقات العامة عدم وجود أخبار عنه أو عن مؤسسته (وبالطبع صورته تتصدر) بشكل شبه يومي، المهم تكرار الأخبار حتى ولو كانت مجرد عمل روتيني مثل اجتماعه مع موظفيه!
وفي ظل محدودية الحرية النقدية وضعف مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية المعنية بحماية المستهلك من الناحية الإعلانية والإعلامية، يصعب الرد أو الفضح لتلك الممارسات الإعلانية والدعائية وخصوصًا مع وجود هالة اجتماعية وربما إعلامية تقديسية حول أصحاب المناصب الرسمية المختلفة. لا استغرب مثلاً أن يتهم مسؤول آخرين بالتقاعس أو بالتجاوز في الأنظمة دون أن يكون لأي منهم حول ولا قوة في الرد على تلك الاتهامات التي قد يسوقها ليبرر فشله في اتخاذ قرار ما أو قيادة تغيير ما..
نختم برسالة لكل مسؤول؛ أن حديث الآخر عن إنجازات مؤسستك وبالذات المحايدون بها هو فن العلاقات الحقيقية أما مجرد ترديدك للأخبار المصطنعة ومحاولة حجبك للأخبار الحقيقية والنقد البناء فتلك حيل حبلها قصير وإن صمت الناس في العلن فلهم عقول تفكر وهمسات في المجالس تحكي وشتائم في الخفا تروى. إذا كنت تريد الحقيقة فلا تستمتع فقط (للمطبلين) أو (المجاملين) أو (المتنفعين) بل جرب أن تستمع حديث من ليس لديه مصالح معك، أو من يقيم بشكل موضوعي وليس عاطفيًا أو (مصلحيًا) عملك فهم مرجعيتك الحقيقية الأولى.