حمّاد السالمي
أتابع بكل إعجاب وفرح؛ ما يصدر عن المقام السامي ومجلس الوزراء الموقر بشكل متواتر، من سنّ وتحديث وتنظيم وتعديل لكثير من التنظيمات الإدارية، التي تمس حياة الناس اليومية، في شئونهم الإدارية والوظيفية والمالية والخدمية على كافة الصعد.
من آخر ما صدر على سبيل المثال؛ نظام مجلس شئون الجامعات، الذي تُعلَّق عليه آمال عراض لرفع مستوى التعليم العالي، وإبراز الشخصية الاعتبارية لكل جامعة، والنهوض بالبحوث العلمية التي تواكب سعي المملكة الحثيث للتطوير والتحديث علميًا وعمليًا.
إن الكثير من الأنظمة لعديد البُنى الإدارية بحمد الله؛ أخذت نصيبها من المراجعة والتدقيق والتحديث المتوجب، الذي يتواكب مع البرنامج التنموي الطموح: (رؤية السعودية 2030)؛ مما يدل على حرص الدولة على التغيير نحو الأفضل، والتطوير نحو الأجمل، فالمملكة التي دخلت بقوة وعزم على خط التحديث مع (مشروع التحول الوطني الطموح 2020)؛ تثبت كل يوم أنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها السامية، التي تضعها في مقدمة الدول الصانعة للتاريخ، وليس تلك التي تكتفي بالفرجة.
كلي أمل أن يأخذ نظام المناطق والمحافظات على كامل التراب الوطني؛ حقه من المراجعة والتدقيق والتحديث. لقد مرّ على هذا النظام قرابة الثلاثين عامًا، بدون تعديلات تمس جوهر التقسيم الجغرافي والإداري والسكاني على وجه التحديد. إن مراجعة كهذه؛ تعيد صياغة النظام جغرافيًا وإداريًا وسكانيًا؛ هي كفيلة بدعم مشروع (التحول الوطني2020)، وتسهم بقوة في تحقيق أهداف ( رؤية السعودية 2030).
عودة إلى ما قبل تسعين عامًا مضت؛ فإن المغفور له (الملك عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه؛ وإثر دخوله الحجاز في بداية تكوين الدولة الجديدة، شرع في ترتيبات إدارية وتنظيمات دستورية تأسيسية مهمة في وقتها؛ فأصدر نظام الانتخابات البلدية في عام 1344هـ - 1925م، ثم أصدر في عام 1345هـ - 1926م؛ التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية، التي تألف بمقتضاها مجلس الشورى، ثم أصدر نظام مجلس الوكلاء في 1350هـ - 1931م. وتوالت النُّظم السياسية والإدارية آنذاك وفق حاجات المملكة الوليدة.
ولكن هذه التقسيمات بقيت على حالها، حتى مع صدور أنظمة للمناطق فيما بعد؛ فقد صدر نظام للمقاطعات في عهد الملك سعود - رحمه الله - بقرار مجلس الوزراء رقم 419 وتاريخ 13 - 5 - 1383هـ، وتوج بالمرسوم الملكي رقم 12 وتاريخ 21 - 5 - 1383هـ. وظل التوزيع كما هو دون تغيير. ثم جاء آخر تنظيم للمناطق بالأمر الملكي رقم أ - 92 في 27 - 8 - 1412هـ، والمعدل بالأمر الملكي رقم أ - 21 في 30 - 3 - 1414هـ، الذي قسّم المملكة العربية السعودية إلى ثلاث عشرة منطقة. وبموجبه تتكون المنطقة الإدارية من إمارة وعدد من المقاطعات - المحافظات - يختلف عددها من منطقة إلى أخرى، حتى وصل عددها إلى 134 محافظة. وتنقسم المحافظة إلى مراكز ومجمعات قروية، وترتبط المراكز إداريًا بالمحافظة، وترتبط المحافظة إقليميًا بالإمارة. وتشتمل المحافظات على عدد من المسميات السكانية: (مدن، وقرى، ومزارع، وموارد مياه، وتجمع بادية).. إلى آخره.
إنه وخلال هذه العقود التي مرَّت على أول تنظيم صدر قبل أكثر من ستين عامًا، وثانيها قبل تسعة وعشرين عامًا، تطورت الهُويّات التنموية لهذه المناطق؛ وتغيرت احتياجاتها؛ وتبدلت أولوياتها؛ وتعقدت مطالبها، وتضخمت مناطق إدارية، واضمحلت أخرى، بينما بقي النظام على ما هو عليه دون تعديل أو تحديث.
أعتقد أنه حان وقت التعديل والتحديث؛ فمن المهم اليوم؛ إعادة النظر في التقسيم الجغرافي للمناطق الإدارية، ورفع عدد من المحافظات الكبيرة إلى مناطق إدارية؛ فكثير من هذه المحافظات؛ هي اليوم بحجم بعض المناطق الإدارية الصغيرة، بل أكبر من بعضها بكثير. والمهم أكثر من هذا؛ هو تفعيل دور هذه المناطق في المجالات الإدارية والتنموية، والتخفيف من المركزية؛ لكي تتولى إظهار قدراتها، وتباشر مبادراتها، وتسهم في استثمار مدخراتها وعوائدها المالية، وتعمل على تنمية ذاتها من خلال صلاحيات إدارية ومالية موسعة.
إن مشروع (التحول الوطني 2020)؛ باشر وبشكل واضح؛ تحقيق حزمة من الأهداف المهمة التي جاء من أهمها: (حل أزمة الإسكان - إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية - إزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية، وتحفيز القطاع الخاص - تنويع الاقتصاد ورفع المحتوى المحلي - تحفيز الاستثمارات ودعم الصادرات غير النفطية، وعولمة المنشآت المحلية، ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية - التوسع في الخصخصة - تطوير التعليم العام والعالي). ولأن تحقيق كامل أهداف هذا المشروع النهضوي؛ منوط بكامل المؤسسات الإدارية في الدولة، ومن أهمها إمارات المناطق بطبيعة الحال، فإن نظام المناطق والمحافظات؛ يحتاج إلى تحديث، بحيث يُزاد في عدد المناطق الإدارية، ويصبح هناك وزارة للحكم المحلي، ترجع إليها إمارات المناطق إداريًا، فيخف بالتالي العبء عن وزارة الداخلية، وأن تتمتع إمارات المناطق بصلاحيات أوسع، إدارية ومالية وتنموية، ففي زيادة عدد المناطق الإدارية؛ تسهيل وتخفيف من الأعمال الورقية التي تستنزف الوقت والمال والجهد، ومنح فرصة أكبر لقياداتها ومجالسها؛ للمشاركة بفاعلية في المواءمة بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق أهداف مشروع (التحول الوطني )، الذي هو حلمنا في الوصول إلى القمة مع (رؤية السعودية 2030).