د. محمد عبدالله العوين
لم تكن الإشارة العابرة التي رسمها أحد الجنود الأتراك الغزاة لشمال سوريا رافعاً يده بإصبعين معقوفين خالية من دلالات عميقة لمعنى الغزو التركي للشمال السوري بحجج واهية يختبئ خلفها نظام أردوغان والقادة العسكريون قبله؛ وهي مطاردة الأكراد، وعلى الأخص PKK حزب العمال الكردستاني، ولكن لافتة المطاردة هذه وحتى بعد أن اعتقل النظام التركي زعيم الحزب عبد الله أوجلان 1999م وضعف عمليات الحزب وانحلال فكره اليساري إلا أن قومية (الأكراد) ظلت شماعة يتستر خلفها نظام أردوغان لتحقيق مطامعه التوسعية في سوريا والعراق.
لقد عبر كثيرون عن احتجاجهم على تلك الإشارة التي ترمز إلى أفكار جماعة عنصرية تُسمى (الذئاب الرمادية) وأبرز ما تنادي به: الأتراك فقط وغيرهم لا شيء، وتدعو جماعة الذئاب إلى قتل وتهجير ومطاردة الأكراد والأرمن واليونان والعلويين والمسيحيين، وأضيف إلى هذه الشعوب لاحقاً العرب.
نشأت حركة الذئاب الرمادية في أواسط الستينيات الميلادية من القرن الماضي، وقامت بعمليات إرهابية دموية، تمثَّلت في اغتيالات مفكرين وقادة سياسيين ورجال دين مسيحيين وزعامات من قوميات مختلفة.
وبغض النظر عن الأسطورة التاريخية الخرافية التي نشأت الحركة عليها وجمعت العرقين المنغولي والتركي في أمة واحدة إلا أنها تعبر عن هيمنة تفوق العرق التركي امتداداً لشعوبية الفرس وآرية هتلر.
وبعودة إلى التاريخ التركي في مرحلته العثمانية نجد تأسيساً عميقاً لفكرة تفوق العرق إبان ما يُسمى بالخلافة العثمانية؛ فقد ارتكبت تلك الخلافة المزعومة عمليات إبادات جماعية لشعوب عدة، ومنهم الأرمن بأفران سيارات الغاز والقتل الجماعي، وإبادات لليونان وللشركس وطوائف وقوميات مختلفة في شرق القارة الأوربية.
ونال العرب من شرور تلك الخلافة ما نالهم من اضطهاد وقتل وتهجير ونهب لخيرات أوطانهم؛ تساوى في ذلك المسلمون والمسيحيون، وبسبب حملات الاضطهاد والاعتقال والتسميم تمت هجرات مسيحيي لبنان وسوريا إلى الأمريكيتين الشمالية والجنوبية وتولّد هناك ما عُرف بالأدب المهاجري ونشأت صحافة عربية عبَّرت عن آمال وهموم المهجريين، وعلقت المشانق برؤوس المناضلين العرب الذين تصدوا للتعسف التركي كما في ساحتي الشهداء بدمشق وبيروت.
ولا يمكن أن ينسى التاريخ ما ارتكبه العثمانيون من إجرام وقتل وتعذيب وانتهاك للحرمات ونهب للأموال وتدمير للمدن والقرى في شبه الجزيرة العربية إبان الدولة السعودية الأولى والثانية بأمر من السلطان محمود الثاني 1223- 1254هـ الذي ارتكب وزر تلك الآثام بأمره خادمه على مصر محمد علي باشا بتنفيذ رغباته العدوانية العنصرية امتدادا لكراهيته واحتقاره العرب.
ولا يمكن أبداً أن يغفل التاريخ عن تدوين عنصرية الأتراك وجرائمهم على يد إبراهيم وطوسون محمد علي باشا بدءاً من 1233 -1253هـ، ولا ما ارتكبه المجرم (فخري باشا) في ما عُرف بـ(سفر برلك) عام 1334هـ بحصار المدينة المنورة وتعذيب ساكنيها وتهجيرهم قسراً إلى إستانبول.
وليست حركة (الذئاب الرمادية) إلا امتداداً لذلك التاريخ التركي العنصري الإجرامي الأسود الموغل في كراهيته واستصغاره كل الشعوب سوى العرق النازي التركي.