د. سلطان سعد القحطاني
المقدمة: تعتبر مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي مرحلة تحول مشوب بالحذر، عند كثير من الناس في أوساط الجزيرة العربية، بصفة خاصة، والعالم الإسلامي بصفة عامة، وذلك الحذر والتخوف من تغيير الخلافة الإسلامية التي يعتقد المسلمون أنها الوريث الشرعي لعهد الخلفاء الراشدين، من جهة، والتوجس من دخول الثقافة الغربية غير المسلمة من جهة أخرى. وذلك التحول السريع البطيء في آن واحد، بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وما تبعها من تحول ( ديموغرافي) في العالم، عبَّر عن حالات متباينة في ذوات الكتاب والمفكرين، بين مؤيد ومعارض لذلك الجديد المخيف للمعارضين، الباعث لروح الأمل بالنسبة للمتفائلين بالعهد الجديد. وانقسم المجتمع في ذلك الحين إلى ثلاثة أقسام تظهر حيناً وتخبو حيناً آخر، حسب الجو العام، فالأول هم الطبقة القومية العربية، التي استبشرت بزوال الخلافة العثمانية البائدة، والثانية التي أخذت من هذا وذاك وسايرت الأوضاع بحذر، والثالثة التي رفضت كل جديد مهما كان نوعه، من منطلق الحفاظ على الهوية الإسلامية، وليس لها من عذر في ذلك إلا أنها لا تريد التغيير ولا التجديد، وتتستر بما ذكرنا آنفاً. وليس لأحد من هذه الطبقات الثلاث نظرة علمية باستثناء النوع الأول الذي حذا حذو البلاد العربية المجاورة، وفي مقدمتها مصر وبلاد الشام التي سبقت وسط وجنوب الجزيرة العربية، علمياً وفنياً واجتماعياً، ما عدا عدن التي سبقت غيرها بحكم موقعها وهجرة أبنائها إلى شرق القارة مبكراً، ثم دخول المحتل البريطاني، وكان المجتمع في ذلك الوقت وفي ظل تلك الأحداث يبحث عن هوية وطنية حديثة يستند إليها، إضافة إلى الهوية القبلية الإقليمية في بعض المناطق. أما الهوية الدينية الإسلامية المتجذرة فلا غبار عليها لدى المجتمع بصفة عامة، إيماناً بقول الله تعالى{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} سورة الحجر، آية 8. وبالرغم من ذلك كان بعض أفراد المجتمع يرى في الخليفة التركي العثماني رمزاً للخلفاء الراشدين، ومن سواهم لا طاعة له، وتلك نظرة سياسية زُرعت في أذهان العامة (قولاً، لا فعلاً). فماذا ستكون صورة المجتمع في ظل هذا التحول؟.
لم تغب هذه النظرة التحولية عن كتاب ذلك الزمن ومفكريه وعلمائه، فأدلى كل منهم بدلوه، كتاَّباً ومبدعين ومعلمين. ومن ضمن هؤلاء الكتاب والمفكرين والمربين والخطباء الذين ناقشوا تلك القضايا بكل تجرد وواقعية عدد من أصحاب النظرة العلمية الفكرية. وذلك ما سيوافينا به هذا البحث في الرواية التي ظهرت تعليمية تربوية وفق ظروف المرحلة، من كتاب أسسوا المجلات والصحف على أنقاض الصحافة العثمانية الرديئة، لتظهر ملامح الهوية الوطنية، كما ظهرت تلك الملامح في نتاج أولئك الأدباء، وألقى عليها بعض الباحثين الضوء في دراسات قيمة لكتابها، اتسمت بالموضوعية العلمية، وتقصى أصحابها مسيرة كتابها من أصحاب المنجز الإبداعي، محلياً وعربياً، وقارنوها ببعض المنتجات العربية الأخرى، من البلاد التي حصلت على استقلالها، واستفادت من التطور العالمي الثقافي، وهذا ما سنحاول تغطية ملامحه في هذه الدراسة. وهذا البحث ينضوي على فصلين رئيسين، يتبع كل فصل عددا من المحاور.