منيرة الخميري
لإنسان عنيزة وشجرة الغضا علاقة تاريخية وأدبية في جزيرة العرب، وارتباط قوي بحياة السكان. شجرة الغضا عند أهل عنيزة توازي في غلاها شجرة النخل!
ومن قوة ارتباط أهل عنيزة بهذه الشجرة وما تعنيه لهم فقد قدموها هدية وذكرى للملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - عام 2010م.
ومن هذا الارتباط التاريخي والأدبي بين الغضا وأهل عنيزة فقد أوجدوا له مناسبة سنوية، تُقام فيه فعاليات سياحية باسم «مهرجان الغضا» حيث تجتمع الأُسر بجانب أعداد كبيرة من الزوار والسائحين من خارج منطقة القصيم وداخلها ضمن فعاليات متنوعة.
الغضا محمية طبيعية لمساحات ممتدة فوق رمال نظيفة زاهية اللون. وشجرة الغضا دخانها قليل، وجمرها حار، ورائحتها زكية.
الشاعر الأنيق الأمير بدر بن عبدالمحسن كتب قصيدة بعنوان «جمرة غضا»، وتغنى بها فنان العرب محمد عبده؛ لتكون رفيقة درب الساهرين على شبَّة النار في ربوع الغضا:
«جمرة غضا.. أضمها بكفي
أضمها حيل..
أبي الدفا.. لو تحترق كفي
وأبي سفر لليل
جمرة غضا».
مهرجان الغضا هذا العام كان شعاره «غضا عنيزة ثقافة وفنون»، واستهدف جميع الأذواق. ومستقبلاً سيكون هناك تطوير للبنية الأساسية، وتحويل قرية الغضا إلى «مدينة الغضا السياحية»، وهو الاسم الذي أطلقه سمو أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن مشعل؛ لتكون مدينة مستدامة لإقامة مثل هذه الفعاليات، ومزاراً ثقافياً وسياحياً للمنطقة.
اللجنة السياحية النسائية كانت حاضرة ببرنامج ثقافي شعري اجتماعي متنوع تحت عنوان «ليلة غضا»، وهي ليلة في ربوع الغضا، تم التجهيز لها بطابع تراثي جميل، تضمن فعاليات متعددة، وفلكلورًا شعبيًّا لإطلاع النشء على جانب من الثقافة الشعبية والسامري والفنون التراثية.
الوجه الآخر للسياحة «أهلاً بالعالم»، ونقاش عن السياحة، ومدى تأثيرها على اقتصاد الدولة، وطرح استبيان عن الأفكار والمقترحات للفئة المستهدفة التي يمكن أن تُدرج ضمن روزنامة السياحة مستقبلاً.
وهناك فعالية لذوي الإعاقة وإشراكهم ببرامج السياحة.. وكبار السن كان لهم نصيب من البرامج السياحية الترفيهية في ليلة «عبق الجدات».
وكان الأدب التراثي المصري النسائي حاضراً بإحدى ليالي الغضا من خلال «زاهية»، رواية عن الريف المصري ومصر وتراثها الأدبي.
الأمسية الشعرية النسائية «عزف الحروف» لشاعرات من منطقة القصيم والرياض كانت ليلة حافلة بالقصائد الوطنية والغزلية للشاعرات مريم العتيبي ونورة السبيعي وبدر البدور.. ولاقت استحسان الجمهور، وكانت بحضور ضيفتَي الشرف
لـ»ليلة غضا» الدكتورة زكية العتيبي الكاتبة والأديبة والمؤلفة وأستاذة البلاغة والنقد بجامعة الأميرة نورة بالرياض، والدكتورة هياء السمهري دكتوراه في تخصص الأدب الحديث وشاعرة ومؤلفة وكاتبة.
وكانت «ليلة غضا» باذخة الجمال في حضرة الأدب والشعر.
الدكتورة والأديبة خيرية السقاف التي حالت ظروفها دون حضور أمسيات «ليلة غضا» في المهرجان تقول في تغريدة لها رداً على الدكتورة زكية العتيبي: ستجدين في عنيزة خضرة القلوب، وبساط الشيم، ودفء الكفوف، وجمالاً إلهياً، يحتضن النسمة والبسمة والمدى والنخلة، ونساءً فارهات بالعطاء، ورجالاً خُلّصًا بالانتماء.
الدكتورة زكية العتيبي قالت في تغريدة لها: عجيبة عنيزة وهي تُرضع أبناءها كل هذا السخاء والتفاني لإغداق كل جميل باسمها!
هي الأرض الأم عندما تعلِّم أبناءها أبجديات العطاء، وهم الأبناء البررة الذين يبذلون قصارى جهدهم لتظهر عنيزة بشكل مشرف. بهذا المهرجان عشنا تراثنا الحقيقي.
الدكتورة هياء السمهري في مقالها «عنيزة قصيدة يكتبها الغضا» تقول: عندما بحثنا عن أوجه الحياة الجميلة في نفود عنيزة حيث أشجار الغضا فثمة نصب تذكارية في غضا عنيزة، وهناك اقتراب مجتمعي ذكي، يُصنع هناك، وهناك اصطياد ماهر للحظات البيئية، وهناك اقتناص للفرص والمهارات عند إنسان (عنيزة) الذي يصدح معلناً (صنع في عنيزة)؛ فأجادت عنيزة، والإنسان هناك ترجمة عشق الأرض المنداة بنكهات الغضا وروائح اشتعالها على سطوح الرمال عندما أذكتْ وجود الفنون الفلكلورية، وأسهمت فرق الفنون الشعبية في إيقاظ الجمال فوق الرمال!